على الاستصحاب.
ومما ذكرنا ظهر الجواب عن استدلال الكتابي لاثبات دينه بالاستصحاب.
وتفصيل الكلام في المقام: أن استدلال الكتابي لا يخلو من وجهين: فاما أن يكون استدلاله لمعذوريته في البقاء على اليهودية. وإما أن يكون لالزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهودية، فان كان مراده الأول، فنقول له: أنت شاك في بقاء نبوة نبيك أم لا؟ فان اختار الثاني، فلا معنى للاستصحاب - وهو ظاهر - وإن اختار الأول، فنقول له: لا بد لك من الفحص، فان النبوة ليست بأقل من الفروع التي يتوقف جريان الاستصحاب فيها على الفحص، وبعد الفحص يصل إلى الحق ويزول الشك عنه، فان لله الحجة البالغة. وقال سبحانه: " ومن جاهد فينا لنهدينهم سبلنا " ومع فرض بقاء شكه، لا فائدة في الاستصحاب، لكون النبوة من الأمور التي تجب المعرفة بها، فليست قابلة للتعبد الاستصحابي. ومع فرض كفاية الظن فيها، نقول: الاستصحاب لا يفيد الظن أولا، ولا دليل على حجية الظن الحاصل منه ثانيا.
هذا كله في استصحاب النبوة. وأما استصحاب بقاء أحكام الشريعة السابقة، فغير جار أيضا إذ نقول له: إن كنت متيقنا على بقاء أحكام الشريعة السابقة، فلا معنى للاستصحاب - وهو اضح - وإن كنت شاكا فيه، فلابد من الفحص - كما تقدم - وعلى فرض الفحص وبقاء الشك، لا يجري الاستصحاب إلا فيما إذا ثبت حجية الاستصحاب في الشريعتين، لأنه إن كان الاستصحاب حجة في الشريعة السابقة فقط، لا يمكن التمسك بالاستصحاب لبقاء أحكام الشريعة السابقة، إذ حجية الاستصحاب من جملة تلك الأحكام، فيلزم التمسك به، لاثبات بقاء نفسه. وهو دور ظاهر.
وإن كان الاستصحاب حجة في الشريعة اللاحقة فقط، فصحة التمسك بالاستصحاب - لاثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة - فرع حقية الشريعة اللاحقة. وبعد