النسخ، فيرجع إلى أصالة عدم النسخ، ولا مانع منه من جهة اعتبار وحدة الموضوع في القضيتين، إذ الوحدة حاصلة بعد كون الموضوع هي الطبيعة لا الافراد. هذا.
وفيه أن النسخ في الأحكام الشرعية إنما هو بمعنى الدفع وبيان أمد الحكم، لان النسخ بمعنى رفع الحكم الثابت مستلزم للبداء المستحيل في حقه سبحانه وتعالى.
وقد ذكرنا غير مرة أن الاهمال بحسب الواقع ومقام الثبوت غير معقول، فلما أن يجعل المولى حكمه بلا تقييد بزمان ويعتبره إلى الأبد، وإما أن يجعله ممتدا إلى وقت معين.
وعليه فالشك في النسخ شك في سعة المجعول وضيقه من جهة احتمال اختصاصه بالموجودين في زمان الحضور. وكذا الكلام في أحكام الشرائع السابقة، فان الشك في نسخها شك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى المعدومين لا شك في بقائه بعدم العلم بثبوته، فان احتمال البداء مستحيل في حقه تعالى، فلا مجال حينئذ لجريان الاستصحاب.
وتوهم أن جعل الاحكام على نحو القضايا الحقيقية ينافي اختصاصها بالموجودين، مدفوع بأن جعل الاحكام على نحو القضايا الحقيقية معناه عدم دخل خصوصية الافراد في ثبوت الحكم، لا عدم اختصاص الحكم بحصة دون حصة، فإذا شككنا في أن المحرم هو الخمر مطلقا، أو خصوص الخمر المأخوذ من العنب، كان الشك في حرمة الخمر المأخوذ من غير العنب شكا في ثبوت التكليف. ولا مجال لجريان الاستصحاب معه. والمقام من هذا القبيل، فانا نشك في أن التكليف مجعول لجميع المكلفين أو هو مختص بمدركي زمان الحضور، فيكون احتمال التكليف بالنسبة إلى غير المدركين شكا في ثبوت التكليف لا في بقائه، فلا مجال لجريان الاستصحاب حينئذ إلا على نحو الاستصحاب التعليقي، بأن يقال: لو كان هذا المكلف موجودا في ذلك الزمان لكان هذا الحكم ثابتا في حقه، والآن كما كان. لكنك قد عرفت عدم حجية الاستصحاب التعليقي.