قدرنا ملكنا (ويل يومئذ للمكذبين) بقدرتنا على ذلك. ثم بين لهم بديع صنعه وعظيم قدرته ليعتبروا فقال (ألم نجعل الأرض كفاتا) معنى الكفت في اللغة: الضم والجمع، يقال كفت الشئ: إذا ضمه وجمعه، ومن هذا يقال للجراب والقدر كفت: والمعنى: ألم نجعل الأرض ضامة للأحياء على ظهرها والأموات في باطنها تضمهم وتجمعهم. قال الفراء: يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتا في بطنها: أي تحوزهم وهو معنى قوله (أحياء وأمواتا) وأنشد سيبويه:
كرام حين تنكفت الأفاعي * إلى أجحارهن من الصقيع قال أبو عبيدة كفاتا أوعية، ومنه قول الشاعر:
فأنت اليوم فوق الأرض حي * وأنت غدا تضمن في كفات أي في قبر، وقيل معنى جعلها كفاتا: أنه يدفن فيها ما يخرج من الإنسان من الفضلات. وقال الأخفش وأبو عبيدة: الأحياء والأموات وصفان للأرض: أي الأرض منقسمة إلى حي وهو الذي ينبت، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت. قال الفراء: انتصاب أحياء وأمواتا بوقوع الكفات عليه: أي ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات، فإذا نون نصب ما بعده، وقيل نصبا على الحال من الأرض: أي منها كذا ومنها كذا، وقيل هو مصدر نعت به للمبالغة. وقال الأخفش: كفاتا جمع كافتة، والأرض يراد بها الجمع فنعتت بالجمع. وقال الخليل: التكفت تقليب الشئ ظهرا لبطن أو بطنا لظهر، ويقال انكفت القوم إلى منازلهم: أي ذهبوا (وجعلنا فيها رواسي شامخات) أي جبالا طوالا، والرواسي الثوابت، والشامخات الطوال، وكل عال فهو شامخ (وأسقيناكم ماء فراتا) أي عذبا، والفرات الماء العذب يشرب منه ويسقى به. قال مقاتل: وهذا كله أعجب من البعث (ويل يومئذ للمكذبين) بما أنعمنا عليهم من نعمنا التي هذه من جملتها.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة (والمرسلات عرفا) قال: هي الملائكة أرسلت بالعرف. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود - والمرسلات عرفا - قال الريح (فالعاصفات عصفا) قال: الريح (والناشرات نشرا) قال: الريح وأخرج ابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب أنه جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، فقال ما العاصفات عصفا؟ قال الرياح. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (والمرسلات عرفا) قال: الريح (فالعاصفات عصفا) قال: الريح (فالفارقات فرقا) قال: الملائكة (فالملقيات ذكرا) قال:
الملائكة. وأخرج ابن المنذر عنه (والمرسلات عرفا) قال: الملائكة (فالفارقات فرقا) قال: الملائكة، فرقت بين الحق والباطل (فالملقيات ذكرا) قال: بالتنزيل. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود قال:
ويل واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار، فجعل للمكذبين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (من ماء مهين) قال: ضعيف. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه (كفاتا) قال: كنا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (رواسي شامخات) قال: جبالا مشرفات، وفي قوله (فراتا) قال: عذبا.