" في ظلال ". وقرأ الأعمش والزهري وطلحة والأعرج " في ظلل " جمع ظلة (ويل يومئذ للمكذبين) حيث صاروا في شقاء عظيم، وصار المؤمنون في نعيم مقيم (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) الجملة بتقدير القول في محل نصب على الحال من المكذبين: أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكير لهم بحالهم في الدنيا، أو يقال لهم هذا في الدنيا، والمجرمون المشركون بالله، وهذا وإن كان في اللفظ أمرا فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم (ويل يومئذ للمكذبين) كرره لزيادة التوبيخ والتقريع (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) أي وإذا أمروا بالصلاة لا يصلون.
قال مقاتل: نزلت في ثقيف امتنعوا من الصلاة بعد أن أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها فقالوا: لا ننحني فإنها مسبة علينا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود. وقيل إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون. وقيل المعنى بالركوع: الطاعة والخشوع (ويل يومئذ للمكذبين) بأوامر الله سبحانه ونواهيه (فبأي حديث بعده يؤمنون) أي فبأي حديث بعد القرآن يصدقون إذا لم يؤمنوا به. قرأ الجمهور " يؤمنون " بالتحتية على الغيبة. وقرأ ابن عامر في رواية عنه، ويعقوب بالفوقية على الخطاب.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (بشرر كالقصر) قال: كالقصر العظيم، وقوله (جمالات صفر) قال: قطع النحاس. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس يسأل عن قوله (إنها ترمي بشرر كالقصر) قال: كنا نرفع الخشب بقدر ثلاثة أذرع أو أقل، فنرفعه للشتاء فنسميه القصر. قال: وسمعته يسأل عن قوله (جمالات صفر) قال: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى يكون كأوساط الرجال. ولفظ البخاري: كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للشتاء فنسميه القصر (كأنه جمالات صفر) حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أنه قرأ " كالقصر " بفتح القاف والصاد. وقال قصر النخل: يعني الأعناق. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال: كانت العرب في الجاهلية تقول: أقصروا لنا الحطب، فيقطع على قدر الذراع والذراعين. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط عن ابن مسعود في قوله (ترمي بشرر كالقصر) قال: إنها ليست كالشجر والجبال، ولكنها مثل المدائن والحصون. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (كالقصر) قال: هو القصر، وفي قوله (جمالات صفر) قال: الإبل. وأخرج الحاكم وصححه من طريق عكرمة قال: سأل نافع ابن الأرزق ابن عباس عن قوله (هذا يوم لا ينطقون) - ولا تسمع إلا همسا - وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون - و - هاؤم اقرءوا كتابيه - فقال له: ويحك هل سألت عن هذا أحدا قبلي؟ قال لا، قال: أما أنك لو كنت سألت هلكت، أليس قال الله - وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون - قال بلى، قال: فإن لكل مقدار يوم من هذه الأيام لونا من الألوان. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا.