وبما بعده، وهذا هو الظاهر من معنى الآية (والليل إذ أدبر) أي ولى. قرأ الجمهور " إذا " بزيادة الألف، دبر بزنة ضرب على أنه ظرف لما يستقبل من الزمان، وقرأ نافع وحفص وحمزة إذ " بدون ألف، أدبر بزنة أكرم ظرف لما مضى من الزمان، ودبر وأدبر لغتان، كما يقال أقبل الزمان وقبل الزمان، يقال دبر الليل وأدبر: إذا تولى ذاهبا (والصبح إذا أسفر) أي أضاء وتبين (إنها لإحدى الكبر) هذا جواب القسم، والضمير راجع إلى سقر:
أي إن سقر لإحدى الدواهي أو البلايا الكبر، والكبر جمع كبرى، وقال مقاتل: إن الكبر اسم من أسماء النار، وقيل إنها: أي تكذيبهم لمحمد لإحدى الكبر، وقيل إن قيام الساعة لإحدى الكبر، ومنه قول الشاعر:
يا بن المعلى نزلت إحدى الكبر * داهية الدهر وصماء الغير قرأ الجمهور " لإحدى " بالهمزة، وقرأ نصر بن عاصم وابن محيصن وابن كثير في رواية عنه " إنها لحدي " بدون همزة. وقال الكلبي: أراد بالكبر دركات جهنم وأبوابها (نذيرا للبشر) انتصاب نذيرا على الحال من الضمير في إنها، قاله الزجاج. وروى عنه وعن الكسائي وأبي علي الفارسي أنه حال من قوله " قم فأنذر " أي قم يا محمد فأنذر حال كونك نذيرا للبشر. وقال الفراء: هو مصدر بمعنى الإنذار منصوب بفعل مقدر، وقيل إنه منتصب على التمييز لإحدى لتضمنها معنى التنظيم كأنه قيل أعظم الكبر إنذارا. وقيل إنه مصدر منصوب بأنذر المذكور في أول السورة، وقيل منصوب بإضمار أعني. وقيل منصوب بتقدير ادع، وقيل منصوب بتقدير ناد أو بلغ، وقيل إنه مفعول لأجله، والتقدير: وإنها لإحدى الكبر لأجل إنذار البشر. قرأ الجمهور بالنصب، وقرأ أبي بن كعب وابن أبي عبلة بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هي نذير، أو هو نذير.
وقد اختلف في النذير، فقال الحسن: هي النار، وقيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال أبو رزين:
المعنى أنا نذير لكم منها. وقيل القرآن نذير للبشر لما تضمنه من الوعد والوعيد (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) هو بدل من قوله للبشر: أي نذيرا لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الطاعة أو يتأخر عنها، والمعنى: أن الإنذار قد حصل لكل من آمن وكفر، وقيل فاعل المشيئة هو الله سبحانه: أي لمن شاء الله أن يتقدم منكم بالإيمان أو يتأخر بالكفر، والأول أولى. وقال السدى: لمن شاء منكم أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها أو يتأخر إلى الجنة.
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما سمع أبو جهل (عليها تسعة عشر). قال لقريش:
ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطش برجل من خزنة جهنم؟ وأخرج ابن مردويه عنه في قوله (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) قال:
قال أبو الأشد: خلوا بيني وبين خزنة جهنم أنا أكفيكم مؤنتهم، قال: وحدثت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصف خزان جهنم فقال " كأن أعينهم البرق، وكأن أفواههم الصياصي يجرون أشعارهم، لهم مثل قوة الثقلين، يقبل أحدهم بالأمة من الناس يسوقهم، على رقبته جبل حتى يرمي بهم في النار فيرمي بالجبل عليهم ".
وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن أبي سعيد الخدري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به قال: فصعدت أنا وجبريل إلى السماء الدنيا، فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف، وتلا هذه الآية (وما يعلم جنود ربك إلا هو) " وأخرج أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أطت السماء وحق لها أن تنط. ما فيها موضع أصبع إلا عليه ملك ساجد ". وأخرجه الترمذي وابن ماجة. قال الترمذي: حسن غريب، ويروى عن