بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد. وقيل قد تم الكلام عند قوله (إلى يوم القيامة) ثم ابتدأ فقال (إن لكم لما تحكمون) أي ليس الأمر كذلك. قرأ الجمهور " بالغة " بالرفع على النعت لأيمان، وقرأ الحسن وزيد بن علي بنصبها على الحال من أيمان، لأنها قد تخصصت بالوصف، أو من الضمير في لكم أو من الضمير في علينا (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي سل يا محمد الكفار موبخا لهم ومقرعا أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها. وقال ابن كيسان: الزعيم هنا القائم بالحجة والدعوى. وقال الحسن: الزعيم الرسول (أم لهم شركاء) يشاركونهم في هذا القول ويوافقونهم فيه (فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) فيما يقولون وهو أمر تعجيز، وجواب الشرط محذوف، وقيل المعنى أم لهم شركاء يجعلونهم مثل المسلمين في الآخرة (يوم يكشف عن ساق) يوم ظرف لقوله فليأتوا: أي فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق، ويجوز أن يكون ظرفا لفعل مقدر: أي أذكر يوم يكشف. قال الواحدي: قال المفسرون في قوله (عن ساق) عن شدة من الأمر. قال ابن قتيبة: أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه شمر عن ساقه، فيستعار الكشف عن الساق في موضع الشدة، وأنشد لدريد بن الصمة:
كميش الإزار خارج نصف ساقه * صبور على الجلاء طلاع أنجد وقال: وتأويل الآية يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق. قال أبو عبيدة: إذا اشتد الحرب والأمر قيل كشف الأمر عن ساقه، والأصل فيه من وقع في شئ يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عن موضع الشدة، وهكذا قال غيره من أهل اللغة، وقد استعملت ذلك العرب في أشعارها، ومن ذلك قول الشاعر:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا وقول آخر: والخيل تعدو عند وقت الاشراق * وقامت الحرب بنا على ساق * وقول آخر أيضا:
قد كشفت عن ساقها فشدوا * وجدت الحرب بكم فجدوا وقول آخر أيضا في سنة:
قد كشفت عن ساقها حمرا * ءتبرى اللحم عن عراقها وقيل ساق الشئ: أصله وقوامه كساق الشجرة، وساق الإنسان: أي يوم يكشف عن ساق الأمر فتظهر حقائقه، وقيل يكشف عن ساق جهنم، وقيل عن ساق العرش، وقيل هو عبارة عن القرب، وقيل يكشف الرب سبحانه عن نوره، وسيأتي في آخر البحث ما هو الحق، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. قرأ الجمهور " يكشف " بالتحية مبنيا للمفعول، وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن أبي عبلة " تكشف " بالفوقية مبنيا للفاعل:
أي الشدة أو الساعة، وقرئ بالفوقية مبنيا للمفعول، وقرئ بالنون، وقرئ بالفوقية المضمومة وكسر الشين من أكشف الأمر: أي دخل في الكشف (ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) قال الواحدي: قال المفسرون:
يسجد الخلق كلهم لله سجدة واحدة ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون، لأن أصلابهم تيبس فلا تلين للسجود. قال الربيع بن أنس: يكشف عن الغطاء فيقع من كان أمن بالله في الدنيا فيسجدون له، ويدعى الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون، لأنهم لم يكونوا آمنوا بالله في الدنيا، وانتصاب (خاشعة أبصارهم) على الحال من ضمير يدعون، وأبصارهم مرتفع به على الفاعلية، ونسبة الخشوع إلى الأبصار، وهو الخضوع