قوله (ألم تر إلى الذين تولوا قوما) أي والوهم، قال قتادة: هم المنافقين تولوا اليهود، وقال السدي ومقاتل:
هم اليهود تولوا المنافقين، وبدل على الأول قوله (غضب الله عليهم) فإن المغضوب عليهم هم اليهود، ويدل على الثاني قوله (ما هم منكم ولا منهم) فإن هذه صفة المنافقين، كما قال الله فيهم - مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء - وجملة (ما هم منكم ولا منهم) في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة (ويحلفون على الكذب) أي يحلفون أنهم مسلمون، أو يحلفون أنهم ما نقلوا الأخبار إلي اليهود، والجملة عطف على تولوا داخله في حكم التعجيب من فعلهم، وجملة (وهم يعلمون) في محل نصب على الحال: أي والحال أنهم يعلمون بطلان ما حلفوا عليه، وأنه كذب لا حقيقة له (أعد الله لهم عذابا شديدا) بسبب هذا التولي والحلف على الباطل (إنهم ساء ما كانوا يعملون) من الأعمال القبيحة (اتخذوا أيمانهم جنة) قرأ الجمهور " أيمانهم " بفتح الهمزة جمع يمين، وهي ما كانوا يحلفون عليه من الكذب بأنهم من المسلمين توقيا من القتل، فجعلوا هذه الأيمان وقاية وسترة دون دمائهم كما يجعل المقاتل الجنة وقاية له من أن يصاب بسيف أو رمح أو سهم. وقرأ الحسن وأبو العالية " إيمانهم " بكسر الهمزة أي جعلوها تصديقهم جنة من القتل، فآمنت ألسنتهم من خوف القتل ولم تؤمن قلوبهم (فصدوا عن سبيل الله) أي منعوا الناس عن الإسلام بسبب ما يصدر عليهم من التشبيط وتهوين أمر المسلمين وتضعيف شوكتهم، وقيل المعنى: فصدوا المسلمين عن قتالهم بسبب إظهارهم للإسلام (فلهم عذاب مهين) أي يهينهم ويخزيهم، قيل هو تكرير لقوله (أعد الله لهم عذابا شديدا) للتأكيد، وقيل الأول عذاب القبر، وهذا عذاب الآخرة، ولا وجه للقول بالتكرر، فإن العذاب الموصوف بالشدة غير العذاب الموصوف بالإهانة (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) أي لن تغني عنهم من عذابه شيئا من الإغناء قال مقاتل. قال المنافقون: إن محمدا يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذن، فوالله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة فنزلت الآية (أولئك) الموصوفون بما ذكر (أصحاب النار) لا يفارقونها (هم فيها خالدون) لا يخرجون منها (يوم يبعثهم الله جميعا) الظرف منصوب بقوله: مهين، أو بمقدر: أي أذكر (فيحلفون له كما يحلفون لكم) أي يحلفون لله يوم القيامة على الكذب كما يحلفون لكم في الدنيا، وهذا من شدة شقاوتهم ومزيد الطبع على قلوبهم، فإن يوم القيامة قد انكشفت الحقائق وصارت الأمور معلومة بضرورة المشاهدة، فكيف يجترئون على أن يكذبوا في ذلك الموقف ويحلفون على الكذب (ويحسبون أنهم على شئ) أي يحسبون في الآخرة أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شئ مما يجلب نفعا،