قليلا أو أعطى شيئا قليلا وقطع ذلك وأمسك عنه، وأصل أكدى من الكدية وهي الصلابة، يقال لمن حفر بئرا ثم بلغ فيها إلى حجر لا يتهيأ له فيه حفر قد أكدى، ثم استعملته العرب لمن أعطى فلم يتم، ولمن طلب شيئا فلم يبلغ آخره، ومنه قول الحطيئة:
فأعطى قليلا ثم أكدى عطاؤه * ومن يبذل المعروف في الناس يحمد قال الكسائي وأبو زيد ويقال كديت أصابعه: إذا محلت من الحفر، وكدت يده: إذا كلت فلم تعمل شيئا، وكدت الأرض: إذا قل نباتها، وأكديت الرجل عن الشئ رددته، وأكدى الرجل: إذا قل خيره.
قال الفراء: معنى الآية: أمسك من العطية وقطع. وقال المبرد: منع منعا شديدا. قال مجاهد وابن زيد ومقاتل:
نزلت في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على دينه، فعيره بعض المشركين فترك ورجع إلى شركه. قال مقاتل: كان الوليد مدح القرآن، ثم أمسك عنه فأعطى قليلا من لسانه من الخير ثم قطعه.
وقال الضحاك: نزلت في النضر بن الحارث. وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في أبي جهل (أعنده علم الغيب فهو يرى) الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والمعنى: أعند هذا المكدى علم ما غاب عنه من أمر العذاب، فهو يعلم ذلك (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى) أي ألم يخبر ولم يحدث بما في صحف موسى: يعنى أسفاره، وهي التوراة، وبما في صحف إبراهيم الذي وفى: أي تمم وأكمل ما أمر به. قال المفسرون: أي بلغ قومه ما أمر به وأداه إليهم، وقيل بالغ في الوفاء بما عاهد الله عليه. ثم بين سبحانه ما في صحفهما فقال (ألا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى، ومعناه: لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر وخبرها الجملة بعدها ومحل الجملة الجر على أنها بدل من صحف موسى وصحف إبراهيم، أو الرفع على أنها خبر مبتدإ محذوف، وقد مضى تفسير هذه الآية في سورة الأنعام (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) عطف على قوله (ألا تزر) وهذا أيضا مما في صحف موسى، والمعنى: ليس له إلا أجر سعيه وجزاء عمله ولا ينفع أحدا عمل أحد، وهذا العموم مخصوص بمثل قوله سبحانه - ألحقنا بهم ذرياتهم -، وبمثل ما ورد في شفاعة الأنبياء والملائكة للعباد ومشروعية دعاء الأحياء للأموات ونحو ذلك، ولم يصب من قال: إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور، فإن الخاص لا ينسخ العام، بل يخصصه، فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصا لما في هذه الآية من العموم (وأن سعيه سوف يرى) أي يعرض عليه ويكشف له يوم القيامة (ثم يجزاه) أي يجزى الإنسان سعيه، يقال جزاه الله بعمله وجزاه على عمله، فالضمير المرفوع عائد إلى الإنسان والمنصوب إلى سعيه. وقيل إن الضمير المنصوب راجع إلى الجزاء المتأخر وهو قوله (الجزاء الأوفى) فيكون الضمير راجعا إلى متأخر عنه هو مفسر له، ويجوز أن يكون الضمير المنصوب راجعا إلى الجزاء الذي هو مصدر يجزاه، ويجعل الجزاء الأوفى تفسيرا للجزاء المدلول عليه بالفعل كما في قوله - اعدلوا هو أقرب - قال الأخفش: يقال جزيته الجزاء وجزيته بالجزاء سواء لا فرق بينهما (وأن إلى ربك المنتهى) أي المرجع والمصير إليه سبحانه لا إلى غيره فيجازيهم بأعمالهم.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) قال: الكبائر ما سمى الله فيه النار، والفواحش: ما كان فيه حد الدنيا. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال:
ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن الله كتب على ابن آدم حظه