كما في قوله - اقتربت الساعة - أخبرهم بذلك ليستعدوا لها. قال في الصحاح: أزفت الآزفة: يعني القيامة وأزفت الرجل عجل، ومنه قول الشاعر:
أزف الترحل غير أن ركابنا * لما تزل برحالنا وكأن قد (ليس لها من دون الله كاشفة) أي ليس لها نفس قادرة على كشفها عند وقوعها إلا الله سبحانه، وقيل كاشفة بمعنى انكشاف، والهاء فيها كالهاء في العاقبة والداهية، وقيل كاشفة بمعنى كاشف، والهاء للمبالغة كرواية، والأول أولى. وكاشفة صفة لموصوف محذوف كما ذكرنا، والمعنى: أنه لا يقدر على كشفها إذا غشت الخلق بشدائدها وأهوالها أحد غير الله، كذا قال عطاء والضحاك وقتادة وغيرهم. ثم وبخهم سبحانه فقال (أفمن هذا الحديث تعجبون) المراد بالحديث القرآن: أي كيف تعجبون منه تكذيبا (وتضحكون) منه استهزاء مع كونه غير محل للتكذيب ولا موضع للاستهزاء (ولا تبكون) خوفا وانزجارا لما فيه من الوعيد الشديد، وجملة (وأنتم سامدون) في محل نصب على الحال، ويجوز أن تكون مستأنفة لتقرير ما فيها، والسمود: الغفلة والسهو عن الشئ.
وقال في الصحاح: سمد سمودا رفع رأسه تكبرا، فهو سامد قال الشاعر: * سوامد الليل خفاف الأزواد * وقال ابن الأعرابي: السمود اللهو، والسامد اللاهي، يقال للقينة أسمدينا: أي ألهينا بالغناء، وقال المبرد:
سامدون خامدون. قال الشاعر:
رمى الحدثان نسوة آل عمرو * بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضا * ورد وجوههن البيض سودا (فاسجدوا لله واعبدوا) لما وبخ سبحانه المشركين على الاستهزاء بالقرآن والضحك منه والسخرية به وعدم الانتفاع بمواعظه وزواجره أمر عباده المؤمنين بالسجود لله والعبادة له، والفاء جواب شرط محذوف: أي إذا كان الأمر من الكفار كذلك، فاسجدوا لله واعبدوا، فإنه المستحق لذلك منكم، وقد تقدم في فاتحة السورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد عند تلاوة هذه الآية، وسجد معه الكفار، فيكون المراد بها سجود التلاوة، وقيل سجود الفرض.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وأنه هو أغنى وأقنى) قال: أعطى وأرضى.
وأخرج ابن جرير عنه (وأنه هو رب الشعرى) قال: هو الكوكب الذي يدعي الشعرى. وأخرج الفاكهي عنه أيضا قال: نزلت هذه الآية في خزاعة، وكانوا يعبدون الشعري، وهو الكوكب الذي يتبع الجوزاء. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله (هذا نذير من النذر الأولى) قال: محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال: الآزفة من أسماء القيامة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل قال: لما نزلت هذه الآية (أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون) فما ضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم. ولفظ عبد بن حميد: فما رؤي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضاحكا ولا متبسما حتى ذهب من الدنيا. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (سامدون) قال: لاهون معرضون عنه. وأخرج الفريابي وأبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه (وأنتم سامدون) قال: الغناء باليمانية، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا. وأخرج الفريابي وأبو يعلي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا في قوله