تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر أو استئناف. أعني قوله تراهم (ويبتغون فضلا من الله ورضوانا) أي يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور أو في محل نصب على الحال من ضمير تراهم، وهكذا (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) السيما العلامة، وفيها لغتان المد والقصر: أي تظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة وكثرة التعبد بالليل والنهار. وقال الضحاك: إذا سهر الرجل أصبح مصفرا، فجعل هذا هو السيما. وقال الزهري: مواضع السجود أشد وجوههم بياضا يوم القيامة. وقال مجاهد: هو الخشوع والتواضع، وبالأول: أعني كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود قال سعيد بن جبير ومالك. وقال ابن جرير: هو الوقار. وقال الحسن: إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى، وقيل هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه، وبه قال سفيان الثوري: والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم من هذه الصفات الجليلة، وهو مبتدأ وخبره قوله (مثلهم في التوراة) أي وصفهم الذي وصفوا به في التوراة ووصفهم الذي وصفوا به (في الإنجيل) وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره وللتنبيه على غرابته وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة (كزرع أخرج شطأه) الخ كلام مستأنف: أي هم كزرع الخ، وقيل هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدم من الأوصاف، وقيل هو خبر لقوله (ومثلهم في الإنجيل) أي ومثلهم في الإنجيل كزرع قال الفراء: فيه وجهان: إن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل: يعني كمثلهم في القرآن، فيكون الوقف على الإنجيل، وإن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة، ثم تبتدئ ومثلهم في الإنجيل كزرع. قرأ الجمهور " شطأه " بسكون الطاء، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتحها، وقرأ أنس ونصر بن عاصم ويحيى بن وثاب شطاه كعصاه. وقرأه الجحدري وابن أبي إسحاق " شطه " بغير همزة، وكلها لغات قال الأخفش والكسائي:
شطأه: أي طرفه. قال الفراء: شطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج. قال الزجاج: (أخرج شطأه): أي نباته. وقال قطرب: الشطأ سوى السنبل. وروى عن الفراء أيضا أنه قال: هو السنبل. وقال الجوهري. شطأ الزرع والنبات والجمع أشطاء، وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه (فآزره) أي قواه وأعانه وشده، قيل المعنى: إن الشطأ قوى الزرع، وقيل إن الزرع قوى الشطأ، ومما يدل على أن الشطأ خروج النبات. قول الشاعر: أخرج الشطأ على وجه الثرى * ومن الأشجار أفنان الثمر قرأ الجمهور " فآزره " بالمد. وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة وحميد بن قيس بالقصر، وعلى قراءة الجمهور قول امرئ القيس: بمحنية قد آزر النضال نبتها * بجر جيوش غانمين وخيب قال الفراء: آزرت فلانا آزره إذا قويته (فاستغلظ) أي صار ذلك الزرع غليظا بعد أن كان دقيقا (فاستوى على سوقه) أي فاستقام على أعواده، والسوق جمع ساق. وقرأ قنبل سؤقه بالهمزة الساكنة (يعجب الزراع) أي يعجب هذا الزرع وزراعه لقوته وحسن منظره، وهذا مثل ضربه الله سبحانه لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم يكونون في الابتداء قليلا، ثم يزدادون ويكثرون ويقوون كالزرع، فإنه يكون في الابتداء ضعيفا ثم يقوى حالا بعد حال حتى يغلظ ساقه. قال قتادة: مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الإنجيل أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ثم ذكر سبحانه علة تكثيره لأصحاب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وتقويته لهم فقال (ليغيظ بهم الكفار) أي كثرهم وقواهم ليكونوا غيظا للكافرين،