ضابحات، أو ذوات صبح، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف: أي تضبح ضبحا، وقيل الضبح: صوت حوافرها إذا عدت، وقال الفراء: الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت. قيل كانت تكعم لئلا تصهل فيعلم العدو بهم، فكانت تتنفس في هذه الحالة بقوة، وقيل الضبح: صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو ليس بصهيل. وقد ذهب الجمهور إلى ما ذكرنا من أن العاديات ضبحا هي الخيل. وقال عبيد بن عمير ومحمد بن كعب والسدي: هي الإبل، ومنه قول صفية بنت عبد المطلب:
فلا والعاديات غداة جمع * بأيديها إذا صدع الغبار * ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح للثعلب فاستعير للخيل، ومنه قول الشاعر: تضبح في الكف ضباح الثعلب (فالموريات قدحا) هي الخيل حين تورى النار بسنابكها، والإيراء إخراج النار، والقدح الصك، فجعل ضرب الخيل بحوافرها كالقدح بالزناد. قال الزجاج: إذا عدت الخيل بالليل وأصاب حوافرها الحجارة انقدح منها النيران والكلام في انتصاب قدحا كالكلام في انتصاب ضبحا، والخلاف في كونها الخيل أو الإبل كالخلاف الذي تقدم في العاديات. والراجح أنها الخيل كما ذهب إليه الجمهور، وكما هو الظاهر من هذه الأوصاف المذكورة في هذه السورة ما تقدم منها وما سيأتي، فإنها في الخيل أوضح منها، في الإبل، وسيأتي ما في ذلك من الخلاف بين الصحابة (فالمغيرات صبحا) أي التي تغير على العدو وقت الصباح، يقال أغار يغير إغارة إذا باغت عدوه بقتل أو أسر أو نهب وأسند الإغارة إليها وهي لأهلها للإشعار بأنها عمدتهم في إغارتهم، وانتصاب صبحا على الظرفية (فأثرن به نقعا) معطوف على الفعل الذي دل عليه اسم الفاعل، إذ المعنى: واللاتي عدون فأثرن، أو على اسم الفاعل نفسه لكونه في تأويل الفعل لوقوعه صلة للموصول، فإن الألف واللام في الصفات أسماء موصولة، فالكلام في قوة: واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن، والنقع: الغبار الذي أثرته في وجه العدو عند الغزو، وتخصيص إثارته بالصبح لأنه وقت الإغارة، ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح. وقيل المعنى: فأثرن بمكان عدوهن نقعا، يقال ثار النقع وأثرته: أي هاج أو هيجته. قرأ الجمهور " فأثرن " بتخفيف المثلثة. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالتشديد: أي فأظهرن به غبارا. وقال أبو عبيدة: النقع رفع الصوت، وأنشد قول لبيد:
فمتى ينقع صراخ صادق * يجلبوها ذات جرس وزجل يقول حين سمعوا صراخا أجلبوا الحرب: أي جمعوا لها. قال أبو عبيدة: وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم انتهى، والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسرين أن النقع الغبار، ومنه قول الشاعر:
يخرجن من مستطار النقع دامية * كأن أذنابها أطراف أقلام وقول عبد الله بن رواحة:
عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع من كنفي كداء وقول الآخر: كأن مثار النقع رؤوسنا * وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه وهذا هو المناسب لمعنى الآية، وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى، فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحا فأثرن به صوتا، قليل الجدوى مغسول المعنى بعيد من بلاغة القرآن المعجزة. وقيل النقع: شق الجيوب، وقال محمد بن كعب: النقع ما بين مزدلفة إلى منى، وقيل إنه طريق الوادي. قال في الصحاح: النقع