بتقهر (وأما السائل فلا تنهر) يقال نهره وانتهره: إذا استقبله بكلام يزجره، فهو نهى عن زجر السائل والإغلاظ له، ولكن يبذل له اليسير أو يرده بالجميل. قال الواحدي: قال المفسرون: يريد السائل على الباب، يقول لا تنهره: إذا سألك فقد كنت فقيرا، فإما أن تطعمه، وإما أن ترده ردا لينا. قال قتادة: معناه رد السائل برحمة ولين.
وقيل المراد بالسائل الذي يسأل عن الدين، فلا تنهره بالغلظة والجفوة، وأجبه برفق ولين، كذا قال سفيان، والسائل منصوب بتنهر، والتقدير: مهما يكن من شئ فلا تقهر اليتيم ولا تنهر السائل (وأما بنعمة ربك فحدث) أمره سبحانه بالتحدث بنعم الله عليه وإظهارها للناس وإشهارها بينهم، والظاهر النعمة على العموم من غير تخصيص بفرد من أفرادها أو نوع من أنواعها. وقال مجاهد والكلبي: المراد بالنعمة هنا القرآن. قال الكلبي: وكان القرآن أعظم ما أنعم الله به عليه فأمره أن يقرأه. قال الفراء: وكان يقرؤه ويحدث به. وقال مجاهد أيضا: المراد بالنعمة النبوة التي أعطاه الله، واختار هذا الزجاج فقال: أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي آتاك الله، وهي أجل النعم. وقال مقاتل: يعني اشكر ما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من الهدى بعد الضلالة وجبر اليتم، والإغناء بعد العيلة فاشكر هذه النعم. والتحدث بنعمة الله شكر، والجار والمجرور متعلق بحدث، والفاء غير مانعة من تعلقه به، وهذه النواهي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي نواه له ولأمته لأنهم أسوته، فكل فرد من أفراد هذه الأمة منهى بكل فرد من أفراد هذه النواهي.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس (والليل إذا سجى) قال: إذا أقبل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه (إذا سجى) قال: إذا ذهب (ما ودعك ربك) قال ما تركك (وما قلى) قال:
ما أبغضك. وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " عرض على ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فأنزل الله (وللآخرة خير لك من الأولى) ". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم عنه أيضا قال " عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده فسر بذلك، فأنزل الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فأعطاه في الجنة ألف قصر من لؤلؤ ترابه المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم، وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال: رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الآية قال: من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.
وأخرج الخطيب في التلخيص من وجه آخر عنه أيضا في الآية قال: لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار، ويدل على هذا ما أخرجه مسلم عن ابن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلا قول الله في إبراهيم - فمن تبعني فإنه منى - وقول عيسى - إن تعذبهم فإنهم عبادك - الآية، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله:
يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ". وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي؟ قال: إي والله. حدثني محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت يا محمد؟ فأقول: نعم يا رب رضيت، ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله - يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا - قلت إنا لنقول ذلك، قال: فكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وهي الشفاعة ". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: قال