معنى شرح الصدر: فتحه بإذهاب ما يصد عن الإدراك، والاستفهام إذا دخل على النفي قرره، فصار المعنى: قد شرحنا لك صدرك، وإنما خص الصدر لأنه محل أحوال النفس من العلوم والإدراكات، والمراد الامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم بفتح صدره وتوسيعه حتى قام بما قال به من الدعوة، وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء النبوة وحفظ الوحي، وقد مضى القول في هذا عند تفسير قوله - أفمن شرح الله صدر " للإسلام فهو على نور من ربه - (ووضعنا عنك وزرك) معطوف على معنى ما تقدم، لا على لفظه: أي قد شرحنا لك صدرك ووضعنا الخ، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح أي أنتم خير من ركب المطايا، وأندى الخ. قرأ الجمهور " نشرح " بسكون الحاء بالجزم، وقرأ أبو جعفر المنصور العباسي بفتحها. قال الزمخشري: قالوا لعله بين الحاء وأشبعها في مخرجها، فظن السامع أنه فتحها. وقال ابن عطية: إن الأصل ألم نشرحن بالنون الخفيفة، ثم إبدالها ألفا، ثم حذفها تخفيفا كما أنشد أبو زيد:
من أي يومى من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر بفتح الراء من لم يقدر، ومثله قوله:
اضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس بفتح الباء من اضرب، وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بلم، وهو قليل جدا كقوله:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما * شيخا على كرسيه معمما فقد تركبت هذه القراءة من ثلاثة أصول كلها ضعيفة: الأول توكيد المجزوم بلم، وهو ضعيف. الثاني إبدالها ألفا، وهو خاص بالوقف، فإجراء الوصل مجرى الوقف ضعيف. والثالث حذف الألف، وهو ضعيف أيضا لأنه خلاف الأصل، وخرجها بعضهم على لغة بعض العرب الذين ينصبون بلم ويجزمون بلن، ومنه قول الشاعر: في كل ما هم أمضى رأيه قدما * ولم يشاور في إقدامه أحدا بنصب الراء من يشاور، وهذه اللغة لبعض العرب ما أظنها تصح، وإن صحت فليست من اللغات المعتبرة فإنها جاءت بعكس ما عليه لغة العرب بأسرها. وعلى كل حال فقراءة هذا الرجل مع شدة جوره ومزيد ظلمه وكثرة جبروته وقلة علمه ليست بحقيقة بالاشتغال بها. والوزر: الذنب أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية.
قال الحسن وقتادة والضحاك ومقاتل: المعنى حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية، وهذا كقوله - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر - ثم وصف هذا الوزر فقال (الذي أنقض ظهرك) قال المفسرون: أي أثقل ظهرك. قال الزجاج: أثقله حتى سمع له نقيض: أي صوت، وهذا مثل معناه: أنه لو كان حملا يحمل لسمع نقيض ظهره، وأهل اللغة يقولون: أنقض الحمل ظهر الناقة: إذا سمع له صرير، ومنه قول جميل:
وحتى تداعت بالنقيض حباله * وهمت ثواني زوره أن تحطما وقول العباس بن مرداس:
وأنقض ظهري ما تطويت منهم * وكنت عليهم مشفقا متحننا قال قتادة: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ذنوب قد أثقلته فغفرها الله له، وقوم يذهبون إلى أن هذا تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها سهل الله ذلك عليه حتى تيسرت له: وكذا قال أبو عبيدة وغيره