ذلك. والظاهر أنه سبحانه يعطيه ما يرضى به من خيري الدنيا والآخرة، ومن أهم ذلك عنده وأقدمه لديه قبول شفاعته لأمته (ألم يجدك يتيما فآوى) هذا شروع في تعداد ما أفاضه الله سبحانه عليه من النعم: أي وجدك يتيما لا أب لك فآوى: أي جعل لك مأوى تأوي إليه، قرأ الجمهور " فآوى " بألف بعد الهمزة رباعيا، من آواه يؤويه، وقرأ أبو الأشهب " فأوى " ثلاثيا، وهو إما بمعنى الرباعي، أو هو من أوى له إذا رحمه. وعن مجاهد معنى الآية: ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك فآواك الله بأصحاب يحفظونك ويحوطونك، فجعل يتيما من قولهم درة يتيمة، وهو بعيد جدا، والهمزة لإنكار النفي وتقرير المنفى على أبلغ وجه، فكأنه قال: قد وجدك يتيما فآوى، والوجود بمعنى العلم، ويتيما مفعوله الثاني، وقيل بمعنى المصادفة، ويتيما حال من مفعوله (ووجدك ضالا فهدى) معطوف على المضارع المنفي، وقيل هو معطوف على ما يقتضيه الكلام الذي قبله كما ذكرنا: أي قد وجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى، والضلال هنا بمعنى الغفلة، كما في قوله - لا يضل ربي ولا ينسى - وكما في قوله - وإن كنت من قبله لمن الغافلين - والمعنى: أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة، واختار هذا الزجاج.
وقيل معنى ضالا: لم تكن تدري القرآن ولا الشرائع فهداك لذلك. وقال الكلبي والسدي والفراء: وجدك في قوم ضلال فهداهم الله لك. وقيل وجدك طالبا للقبلة فهداك إليها كما في قوله - قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها - ويكون الضلال بمعنى الطلب. وقيل وجدك ضائعا في قومك فهداك إليه، ويكون الضلال بمعنى الضياع. وقيل وجدك محبا للهداية فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة، ومنه قول الشاعر:
عجبا لعزة في اختيار قطيعتي * بعد الضلال فحبلها قد أخلقا وقيل وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك: أي ردك إلى جدك عبد المطلب (ووجدك عائلا فأغنى) أي وجدك فقيرا لا مال لك فأغناك، يقال عال الرجل يعيل عيلة: إذا افتقر، ومنه قول أحيحة بن الجلاح:
فما يدري الفقير متى غناه * وما يدري الغنى متى يعيل أي يفتقر. قال الكلبي: فأغنى: أي رضاك بما أعطاك من الرزق، واختار هذا الفراء، قال: لأنه لم يكن غنيا من كثرة، ولكن الله سبحانه رضاه بما آتاه، وذلك حقيقة الغنى. وقال الأخفش: عائلا ذا عيال، ومنه قول جرير:
الله أنزل في الكتاب فريضة * لابن السبيل وللفقير العائل وقيل فأغنى بما فتح لك من الفتوح، وفيه نظر، لأن السورة مكية، وقيل بمال خديجة بنت خويلد، وقيل وجدك فقيرا من الحجج والبراهين فأغناك بها. قرأ الجمهور " عائلا " وقرأ محمد بن السميفع واليماني " عيلا " بكسر الياء المشددة كسيد. ثم أوصاه سبحانه باليتامى والفقراء فقال (فأما اليتيم فلا تقهر) أي لا تقهره بوجه من وجوه القهر كائنا ما كان. قال مجاهد: لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما. قال الأخفش: لا تسلط عليه بالظلم، ادفع إليه حقه واذكر يتمك. قال الفراء والزجاج: لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه، وكذا كانت العرب تفعل في حق اليتامى تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحسن إلى اليتيم ويبره ويوصي باليتامى. قرأ الجمهور " فلا تقهر " بالقاف، وقرأ ابن مسعود والنخعي والشعبي والأشهب العقيلي " تكهر " بالكاف، والعرب تعاقب بين القاف والكاف. قال النحاس: إنما يقال كهره: إذا اشتد عليه وغلظ، وقيل القهر الغلبة، والكهر الزجر. قال أبو حيان: هي لغة: يعني قراءة الكاف مثل قراءة الجمهور، واليتيم منصوب