أثافي سفعا في معرس مرجل وقوله (ناصية) بدل من الناصية، وإنما أبدل النكرة من المعرفة لوصفها بقوله (كاذبة خاطئة) وهذا على مذهب الكوفيين فإنهم لا يجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا بشرط وصفها. وأما على مذهب البصريين، فيجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا شرط، وأنشدوا:
فلا وأبيك خير منك إني * ليؤذيني التحمحم والصهيل قرأ الجمهور بجر " ناصية كاذبة خاطئة " والوجه ما ذكرنا. وقرأ الكسائي في رواية عنه برفعها على إضمار مبتدإ:
أي هي ناصية، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وزيد بن علي بنصبها على الذم. قال مقاتل: أخبر عنه بأنه فاجر خاطئ، فقال ناصية كاذبة خاطئة، تأويلها: صاحبها كاذب خاطئ (فليدع ناديه) أي أهل ناديه، والنادي:
المجلس الذي يجلس فيه القوم ويجتمعون فيه من الأهل والعشيرة، والمعنى: ليدع عشيرته وأهله ليعينوه وينصروه، ومنه قول الشاعر: واستب بعدك يا كليب المجلس * أي أهله. قيل إن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتهددني وأنا أكثر الوادي ناديا؟ فنزلت (فليدع ناديه سندع الزبانية) أي الملائكة الغلاظ الشداد، كذا قال الزجاج: قال الكسائي والأخفش وعيسى بن عمر: واحدهم زابن، وقال أبو عبيدة:
زبنية، وقيل زباني، وقيل هو اسم للجمع لا واحد له من لفظه كعباديد وأبابيل. وقال قتادة: هم الشرط في كلام العرب، وأصل الزبن الدفع، ومنه قول الشاعر:
ومستعجب مما يرى من أناتنا * ولو زبنته الحرب لم يترمرم والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه، ومنه قول الشاعر:
مطاعيم في القصوى مطاعين في الوغى * زبانية غلب عظام حلومها قرأ الجمهور " سندع " بالنون، ولم ترسم الواو كما في قوله - يوم يدع الداع - وقرأ ابن أبي عبلة " سيدعى " على البناء للمفعول ورفع الزبانية على النيابة. ثم كرر الردع والزجر فقال (كلا لا تطعه) أي لا تطعه فيما دعاك إليه من ترك الصلاة (واسجد) أي صل لله غير مكترث به، ولا مبال بنهيه (واقترب) أي تقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة. وقيل المعنى: إذا سجدت اقترب من الله بالدعاء. وقال زيد بن أسلم: واسجد أنت يا محمد، واقترب أنت يا أبا جهل من النار، والأول أولى. والسجود هذا الظاهر أن المراد به الصلاة، وقيل سجود التلاوة، ويدل على هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من السجود عند تلاوة هذه الآية، كما سيأتي إن شاء الله.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن شداد قال: " أتى جبريل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد اقرأ. فقال: وما أقرأ؟ فضمه ثم قال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال (اقرأ باسم ربك الذي خلق) حتى بلغ (ما لم يعلم) " وفي الصحيحين: وغيرهما من حديث عائشة " فجاءه الملك، فقال: اقرأ، فقال: قلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم) " الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا " وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي