ههنا إثبات الياء، لأنها لام الفعل المضارع المرفوع، ولم تحذف لعلة من العلل إلا لاتباع رسم المصحف وموافقة رؤوس الآي إجراء للفواصل مجرى القوافي: ومعنى (والليل إذا يسر) إذا يمضى، كقوله - والليل إذا أدبر - - والليل إذا عسعس - وقيل معنى يسر: يسار فيه، كما يقال ليل نائم ونهار صائم، كما في قول الشاعر:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى * ونمت وما ليل المطي بنائم وبهذا قال الأخفش والقتيبي وغيرهما من أهل المعاني، وبالأول قال جمهور المفسرين. وقال قتادة وأبو العالية:
(والليل إذا يسر) أي جاء وأقبل. وقال النخعي: أي استوى. قال عكرمة وقتادة والكلبي ومحمد بن كعب:
هي ليلة المزدلفة خاصة لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله سبحانه، وقيل ليلة القدر لسراية الرحمة فيها.
والراجح عدم تخصيص ليلة من الليالي دون أخرى (هل في ذلك قسم لذي حجر) هذا الاستفهام لتقرير تعظيم ما أقسم سبحانه به وتفخيمه من هذه الأمور المذكورة، والإشارة بقوله (ذلك إلى تلك الأمور، والتذكير بتأويل المذكور: أي هل في ذلك المذكور: من الأمور التي أقسمنا بها قسم: أي مقسم به حقيق بأن تؤكد به الأخبار (لذي حجر) أي عقل ولب، فمن كان ذا عقل ولب علم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء حقيق بأن يقسم به، ومثل هذا قوله - وإنه لقسم لو تعلمون عظيم -. قال الحسن (لذي حجر) أي لذي حلم. وقال أبو مالك: لذي ستر من الناس. وقال الجمهور: الحجر العقل. قال الفراء: الكل يرجع إلى معنى واحد، لذي عقل ولذي حلم ولذي ستر، الكل بمعنى العقل. وأصل الحجر المنع، يقال لمن ملك نفسه ومنعها: إنه لذو حجر، ومنه سمى الحجر لامتناعه بصلابته، ومنه حجر الحاكم على فلان: أي منعه. قال والعرب تقول: إنه لذو حجر: إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها. ثم ذكر سبحانه على طريقة الاستشهاد ما وقع من عذابه على بعض طوائف الكفار بسبب كفرهم وعنادهم وتكذيبهم للرسل تحذيرا للكفار في عصر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وتخويفا لهم أن يصيبهم ما أصابهم فقال (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد) قرأ الجمهور بتنوين " عاد " على أن يكون إرم عطف بيان لعاد، والمراد بعاد اسم أبيهم، وإرم اسم القبيلة أو بدلا منه، وامتناع صرف إرم للتعريف والتأنيث. وقيل المراد بعاد أولاد عاد، وهم عاد الأولى، ويقال لمن بعدهم عاد الأخرى، فيكون ذكر إرم على طريقة عطف البيان أو البدل، للدلالة على أنهم عاد الأولى لا عاد الأخرى، ولا بد من تقدير مضاف على كلا القولين: أي أهل إرم، أو سبط إرم؟ فإن إرم هو جد عاد، لأنه عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وقرأ الحسن وأبو العالية بإضافة عاد إلى إرم. وقرأ الجمهور " إرم " بكسر الهمزة. وفتح الراء والميم. وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك " أرم " بفتح الهمزة والراء، وقرأ معاذ بسكون الراء تخفيفا، وقرئ بإضافة إرم إلى ذات العماد. قال مجاهد: من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالإرم التي هي الأعلام واحدها أرم، وفي الكلام تقديم وتأخير: أي والفجر وكذا وكذا (إن ربك لبالمرصاد) ألم تر: أي ألم ينته علمك إلى ما فعل ربك بعاد، وهذه الرؤية رؤية القلب، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو لكل من يصلح له، وقد كان أمر عاد وثمود مشهورا عند العرب، لأن ديارهم متصلة بديار العرب، وكانوا يسمعون من أهل الكتاب أمر فرعون. وقال مجاهد أيضا: إرم أمة من الأمم، وقال قتادة: هي قبيلة من عاد، وقيل هما عادان، فالأولى هي إرم، ومنه قول قيس بن الرقيات:
مجدا تليدا بناه أولهم * أدرك عادا وقبله إرم