وروى عن الأصمعي أنه قال: من قرأ " خلقت " بالتخفيف عني به البعير، ومن قرأ بالتشديد عني به السحاب (وإلى السماء كيف رفعت) أي رفعت فوق الأرض بلا عمد على وجه لا يناله الفهم ولا يدركه العقل، وقيل رفعت فلا ينالها شئ (وإلى الجبال كيف نصبت) على الأرض مرساة راسخة لا تميد ولا تميل ولا تزول (وإلى الأرض كيف سطحت) أي بسطت، والسطح بسط الشئ، يقال لظهر البيت إذا كان مستويا: سطح. قرأ الجمهور " سطحت " مبنيا للمفعول مخففا. وقرأ الحسن: بالتشديد. وقرأ علي بن أبي طالب وابن السميفع وأبو العالية: خلقت ورفعت ونصبت وسطحت على البناء للفاعل وضم التاء فيها كلها. ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالتذكير فقال (فذكر) والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها: أي فعظهم يا محمد وخوفهم ثم علل الأمر بالتذكير فقال (إنما أنت مذكر) أي ليس عليك إلا ذلك، و (لست عليهم بمصيطر) المصيطر والمسيطر بالسين والصاد: المسلط على الشئ ليشرف عليه ويتعهد أحواله كذا في الصحاح: أي لست عليهم بمصيطر حتى تكرههم على الإيمان، وهذا منسوخ بآية السيف. قرأ الجمهور " بمصيطر " بالصاد، وقرأ هشام وقنبل في رواية بالسين. وقرأ خلف بإشمام الصاد زايا. وقرأ هارون الأعور بفتح الطاء اسم مفعول (إلا من تولى وكفر) هذا استثناء منقطع: أي لكن من تولى عن الوعظ والتذكير (فيعذبه الله العذاب الأكبر) وهو عذاب جهنم الدائم، وقيل هو استثناء متصل من قوله (فذكر) أي فذكر كل أحد إلا من انقطع طمعك عن إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر، والأول أولى. وإنما قال " الأكبر " لأنهم قد عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر.
وقرأ ابن مسعود " فإنه يعذبه الله " وقرأ ابن عباس وقتادة " ألا من تولى " على أنها ألا التي للتنبيه والاستفتاح (إن إلينا إيابهم) أي رجوعهم بعد الموت، يقال أب يئوب: إذا رجع، ومنه قول عبيد بن الأبرص:
وكل ذي غيبة يتوب * وغائب الموت لا يئوب قرأ الجمهور " إيابهم " بالتخفيف، وقرأ أبو جعفر وشيبة بالتشديد. قال أبو حاتم: لا يجوز التشديد ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام، وقيل هما لغتان بمعنى. قال الواحدي: وأما " إيابهم " بتشديد الياء فإنه شاذ لم يجزه أحد غير الزجاج (ثم إن علينا حسابهم) يعني جزاءهم بعد رجوعهم إلى الله بالبعث، وثم للتراخي في الرتبة لبعد منزلة الحساب في الشدة عن منزلة الإياب.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الغاشية من أسماء القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه (هل أتاك حديث الغاشية) قال: الساعة (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) قال: تعمل وتنصب في النار (تسقى من عين آنية) قال: هي التي قد طال أينها (ليس لهم طعام إلا من ضريع) قال: الشبرق. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) قال: يعني اليهود والنصارى تخشع ولا ينفعها عملها (تسقى من عين آنية) قال: قد أنى غليانها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (تصلى نارا حامية) قال: حارة، (تسقى من عين آنية) قال: انتهى حرها (ليس لهم طعام إلا من ضريع) يقول: من شجر من نار. وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا (إلا من ضريع) قال: الشبرق اليابس. وأخرج ابن جرير عنه أيضا (لا تسمع فيها لاغية) يقول: لا تسمع أذى ولا باطل وفي قوله (فيها سرر مرفوعة) قال: بعضها فوق بعض (ونمارق) قال: مجالس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا (ونمارق) قال: المرافق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (لست عليهم بمصيطر) قال: جبار (إلا من تولى وكفر) قال حسابه على الله. وأخرج أبو داود في ناسخه عنه أيضا (لست عليهم بمسيطر) ثم نسخ ذلك فقال - اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم - وأخرج ابن المنذر عنه أيضا (إن إلينا إيابهم) قال: مرجعهم.