وابن كثير في رواية عنه بنصبهما على الحال أو على الذم، وقوله (تصلى نارا حامية) خبر آخر للمبتدأ: أي تدخل نارا متناهية في الحر، يقال حمي النهار وحمى التنور: أي اشتد حرهما. قال الكسائي: يقال اشتد حمى النهار وحموه بمعنى. قرأ الجمهور " تصلى " بفتح التاء مبنيا للفاعل. وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر بضمها مبنيا للمفعول.
وقرأ أبو رجاء بضم التاء وفتح الصاد وتشديد اللام، والضمير راجع إلى الوجوه على جميع هذه القراءات، والمراد أصحابها كما تقدم، وهكذا الضمير (تسقى من عين آنية) والمراد بالعين الآنية: المتناهية في الحر، والآنى: الذي قد انتهى حره، من الإيناء بمعنى التأخر، يقال آناه يؤنيه إيناء: أي أخره وحبسه كما في قوله - يطوفون بينها وبين حميم آن - قال الواحدي: قال المفسرون: لو وقعت منها نطفة على جبال الدنيا لذابت. ولما ذكر سبحانه شرابهم عقبه بذكر طعامهم فقال (ليس لهم طعام إلا من ضريع) هو نوع من الشوك يقال له الشبرق في لسان قريش إذا كان رطبا، فإذا يبس فهو الضريع. كذا قال مجاهد وقتادة وغيرهما من المفسرين. قيل وهو سم قاتل، وإذا يبس لا تقربه دابة ولا ترعاه، وقيل هو شئ يرمي به البحر يسمى الضريع من أقوات الأنعام، لا من أقوات الناس، فإذا رعت منه الإبل لم تشبع وهلكت هزالا. قال الخليل: الضريع نبات أخضر منتن الريح يرمي به البحر.
وجمهور أهل اللغة والتفسير قالوا: بالأول، ومنه قول أبي ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوي * وعاد ضريعا بان عنه التحايص وقال الهذلي يذكر إبلا وسوء مرعاها:
وحبسن في هرم الضريع وكلها * قرناء دامية اليدين جرود وقال سعيد بن جبير: الضريع الحجارة، وقيل هو شجرة في نار جهنم. وقال الحسن: هو بعض ما أخفاه الله من العذاب. وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون عنده ويذلون ويتضرعون إلى الله بالخلاص منه، فسمي بذلك لأن آكله بتضرع إلى الله في أن يعفى عنه لكراهته وخشونته. قال النحاس: قد يكون مشتقا من الضارع وهو الذليل: أي من شربه يلحقه ضراعة وذلة. وقال الحسن: أيضا: هو الزقوم، وقيل هو واد في جهنم، وقد تقدم في سورة الحاقة - فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين - والغسلين غير الضريع كما تقدم، وجمع بين الآيتين بأن النار دركات، فمنهم من طعامه الضريع، ومنهم من طعامه الغسلين. ثم وصف سبحانه الضريع فقال (لا يسمن ولا يغني من جوع) أي لا يسمن الضريع آكله ولا يدفع عنه ما به من الجوع. قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية. قال المشركون: إن إبلنا تسمن من الضريع، فنزلت (لا يسمن ولا يغني من جوع) وكذبوا في قولهم هذا، فإن الإبل لا تأكل الضريع ولا تقربه. وقيل اشتبه عليهم أمره فظنوه كغيره من النبات النافع. ثم شرع سبحانه في بيان حال أهل الجنة بعد الفراغ من بيان حال أهل النار فقال (وجوه يومئذ ناعمة) أي ذات نعمة وبهجة، وهي وجوه المؤمنين صارت وجوههم ناعمة لما شاهدوا من عاقبة أمرهم وما أعده الله لهم من الخير الذي يفوق الوصف، ومثله قوله - تعرف في وجوههم نضرة النعيم - ثم قال (لسعيها راضية) أي لعملها الذي عملته في الدنيا راضية، لأنها قد أعطيت من الأجر ما أرضاها وقرت به عيونها، والمراد بالوجوه هنا أصحابها كما تقدم (في جنة عالية) أي عالية المكان مرتفعة على غيرها من الأمكنة، أو عالية القدر لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين (لا تسمع فيها لاغية) قرأ الجمهور " لا تسمع " بفتح الفوقية ونصب لاغية: أي لا تسمع أنت أيها المخاطب، أو لا تسمع تلك الوجوه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتحتية مضمومة مبنيا للمفعول ورفع