بتخفيفها كانت إن هنا هي المخففة من الثقيلة فيها ضمير الشأن المقدر، وهو اسمها، واللام هي الفارقة، وما مزيدة: أي إن الشأن كل نفس لعليها حافظ، ومن قرأ بالتشديد فإن نافية ولما بمعنى إلا: أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وقد قرأ هنا بالتشديد ابن عامر وعاصم وحمزة. وقرأ الباقون بالتخفيف. قيل والحافظ: هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها، ويحصون ما تكسب من خير وشر، وقيل الحافظ هو الله عز وجل، وقيل هو العقل يرشدهم إلى المصالح، ويكفهم عن المفاسد. والأول أولى لقوله - وإن عليكم لحافظين - وقوله - ويرسل عليكم حفظة - وقوله - له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه - والحافظ على الحقيقة هو الله عز وجل كما في قوله - فالله خير حافظا - وحفظ الملائكة من حفظه لأنهم بأمره (فلينظر الإنسان مم خلق) الفاء للدلالة على أن كون على كل نفس حافظ يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدإ خلقه ليعلم قدرة الله على ما هو دون ذلك من البعث. قال مقاتل: يعني المكذب بالبعث (مم خلق) من أي شئ خلقه الله، والمعنى: فلينظر نظر التفكر والاستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته. ثم بين سبحانه ذلك فقال (خلق من ماء دافق) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، والماء: هو المنى، والدفق: الصب، يقال دفقت الماء: أي صببته، يقال ماء دافق: أي مدفوق، مثل - عيشة راضية - أي مرضية. قال الفراء والأخفش: ماء دافق: أي مصبوب في الرحم. قال الفراء: وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم كقولهم: سر كاتم: أي مكتوم، وهم ناصب: أي منصوب، وليل نائم ونحو ذلك. قال الزجاج: من ماء ذي اندفاق، يقال دارع وقايس ونابل: أي ذو درع وقوس ونبل، وأراد سبحانه ماء الرجل والمرأة لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما، ثم وصف هذا الماء فقال (يخرج من بين الصلب والترائب) أي صلب الرجل، وترائب المرأة، والترائب جمع تريبة، وهي موضع القلادة من الصدر، والولد لا يكون إلا من الماءين. قرأ الجمهور " يخرج " مبنيا للفاعل. وقرأ ابن أبي عبلة وابن مقسم مبنيا للمفعول. وفي الصلب: وهو الظهر لغات. قرأ الجمهور بضم الصاد وسكون اللام، وقرأ أهل مكة بضم الصاد واللام. وقرأ اليماني بفتحهما، ويقال صالب على وزن قالب. ومنه قول العباس بن عبد المطلب: تنقل من صلب إلى رحم في أبياته المشهورة في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد تقدم كلام في هذا عند تفسير قوله - الذين من أصلابكم - وقيل الترائب: ما بين الثديين. وقال الضحاك: ترائب المرأة: اليدين والرجلين والعينين. وقال سعيد بن جبير:
هي الجيد. وقال مجاهد: هي ما بين المنكبين والصدر. وروى عنه أيضا أنه قال: هي الصدر، وروى عنه أيضا أنه قال: هي التراقي. وحكى الزجاج: أن الترائب عصارة القلب، ومنه يكون الولد، والمشهور في اللغة أنها عظام الصدر والنحر، ومنه قول دريد بن الصمة:
فإن تدبروا نأخذكم في ظهوركم * وإن تقبلوا نأخذكم في الترائب قال عكرمة: الترائب الصدر، وأنشد: * نظام در على ترائبها * قال في الصحاح: التريبة واحدة الترائب، وهي عظام الصدر. قال أبو عبيدة: جمع التريبة تريب، ومنه قول المثقب العبدي:
ومن ذهب بنين على تريب * كلون العاج ليس بذي غضون وقول امرئ القيس: * ترائبها مصقولة كالسجنجل * وحكى الزجاج: أن الترائب أربع أضلاع