الآية: ولقد رأى محمد ربه عز وجل، وقد تقدم القول في هذا في سورة النجم (وما هو) أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (على الغيب) يعني خبر السماء وما اطلع عليه مما كان غائبا علمه عن أهل مكة (بضنين) بمتهم: أي هو ثقة فيما يؤدي عن الله سبحانه. وقيل بضنين ببخيل: أي لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التبليغ، وسبب هذا الاختلاف اختلاف القراء، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي " بظنين " بالظاء المشالة: أي بمتهم، والظنة التهمة، واختار هذه القراءة أبو عبيد قال: لأنهم لم يبخلوا ولكن كذبوه. وقرأ الباقون بضنين بالضاد: أي ببخيل، من ضننت بالشئ أضن ضنا: إذا بخلت. قال مجاهد: أي لا يظن عليكم بما يعلم بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه. وقيل المراد جبريل إنه ليس على الغيب بضنين، والأول أولى (وما هو بقول شيطان رجيم) أي وما القرآن بقول شيطان من الشياطين المسترقة للسمع المرجومة بالشهب. قال الكلبي: يقول إن القرآن ليس بشعر ولا كهانة كما قالت قريش. قال عطاء: يريد بالشيطان: الشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه. ثم بكتهم سبحانه ووبخهم فقال (فأين تذهبون) أي أين تعدلون عن هذا القرآن وعن طاعته كذا قاله قتادة. وقال الزجاج: معناه أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم، يقال أين تذهب، وإلى أين تذهب؟ وحكى الفراء عن العرب: ذهبت الشام، وخرجت العراق، وانطلقت السوق: أي إليها. قال: سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة، وأنشد لبعض بني عقيل:
تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا * وأي الأرض تذهب بالصياح تريد إلى أي الأرض تذهب، فحذف إلى (إن هو إلا ذكر للعالمين) أي ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين، وتذكير لهم، وقوله (لمن شاء منكم أن يستقيم) بدل من العالمين بإعادة الجار ومفعول المشيئة " أن يستقيم " أي لمن شاء منكم الاستقامة على الحق والإيمان والطاعة (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) أي وما تشاءون الاستقامة إلا أن يشاء الله تلك المشيئة، فأعلمهم سبحانه أن المشيئة في التوفيق إليه، وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وتوفيقه، ومثل هذا قوله سبحانه - وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله - وقوله - ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله - وقوله - إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء - والآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله (إذا الشمس كورت) قال: أظلمت (وإذا النجوم انكدرت) قال: تغيرت. وأخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن أبي مريم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله (إذا السماء كورت) قال: كورت في جهنم (وإذا النجوم انكدرت) قال: انكدرت في جهنم، فكل من عبد من دون الله فهو في جهنم، إلا ما كان من عيسى وأمه، ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي العالية قال: ست آيات من هذه السورة في الدنيا، والناس ينظرون إليها، وست في الآخرة (إذا الشمس كورت) إلى (وإذا البحار سجرت) هذه في الدنيا والناس ينظرون إليها (وإذا النفوس زوجت) إلى (وإذا الجنة أزلفت) هذه في الآخرة. وأخرج ابن أبي الدنيا في الأهوال وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت، ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحش فماجوا بعضهم في بعض (وإذا الوحوش حشرت) قال: اختلطت (وإذا العشار عطلت) قال: أهملها أهلها (وإذا البحار سجرت) قال: الجن