السماء مسرعين لأمر الله، كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه. وقال مجاهد أيضا: السابحات الموت يسبح في نفوس بني آدم. وقيل هي الخيل السابحة في الغزو، ومنه قول عنترة:
والخيل تعلم حين تسبح * في حياض الموت سبحا وقال قتادة والحسن: هي النجوم تسبح في أفلاكها كما في قوله - وكل في فلك يسبحون - وقال عطاء، هي السفن تسبح في الماء، وقيل هي أرواح المؤمنين تسبح شوقا إلى الله (فالسابقات سبقا) هم الملائكة على قول الجمهور كما سلف. قال مسروق ومجاهد: تسبق الملائكة الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، وقال أبو روق هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح، وروى نحوه عن مجاهد. وقال مقاتل: هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة. وقال الربيع: هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة شوقا إلى الله. وقال مجاهد أيضا: هو الموت يسبق الإنسان. وقال قتادة والحسن ومعمر: هي النجوم يسبق بعضها في السير بعضا. وقال عطاء: هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد. وقيل هي الأرواح التي تسبق الأجساد إلى الجنة أو النار. قال الجرجاني: عطف السابقات بالفاء، لأنها مسببة من التي قبلها: أي واللاتي يسبحن فيسبقن، تقول قام فذهب، فهذا يوجب أن يكون القيام سببا للذهاب، ولو قلت قام وذهب بالواو لم يكن القيام سببا للذهاب. قال الواحدي: وهذا غير مطرد في قوله (فالمدبرات أمرا) لأنه يبعد أن يجعل السبق سببا للتدبير. قال الرازي: ويمكن الجواب عما قاله الواحدي: بأنها لما أمرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيره، فتكون هذه أفعالا يتصل بعضها ببعض كقوله:
قام زيد فذهب، ولما سبقوا في الطاعات وسارعوا إليها ظهرت أمانتهم ففوض إليهم التدبير. ويجاب عنه بأن السبق لا يكون سببا للتدبير كسببية السبح للسبق والقيام للذهاب، ومجرد الاتصال لا يوجب السببية والمسببية، والأولى أن يقال العطف بالفاء في المدبرات طوبق به ما قبله من عطف السابقات بالفاء، ولا يحتاج إلى نكته كما احتاج إليها ما قبله لأن النكتة إنما تطلب لمخالفة اللاحق للسابق لا لمطابقته وموافقته (فالمدبرات أمرا) قال القشيري:
أجمعوا على أن المراد هنا الملائكة. وقال الماوردي: فيه قولان: أحدهما الملائكة وهو قول الجمهور. والثاني أنها الكواكب السبع، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل. وفي تدبيرها الأمر وجهان: أحدهما تدبر طلوعها وأفولها. الثاني تدبر ما قضاه الله فيها من الأحوال. ومعنى تدبير الملائكة للأمر نزولها بالحلال والحرام وتفصيلهما والفاعل للتدبير في الحقيقة وإن كان هو الله عز وجل، لكن لما نزلت الملائكة به وصفت به. وقيل إن الملائكة لما أمرت بتدبير أهل الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك قيل لها مدبرات. قال عبد الرحمن بن ساباط: تدبير أمر الدنيا إلا أربعة من الملائكة: جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات، وأما عزرائيل فموكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم وجواب القسم بهذه الأمور التي أقسم الله بها محذوف: أي والنازعات، وكذا وكذا لتبعثن. قال الفراء:
وحذف لمعرفة السامعين به، ويدل عليه قوله (إذا كنا عظاما نخرة) وقيل إن جواب القسم قوله (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) أي إن في يوم القيامة وذكر موسى وفرعون لعبرة لمن يخشى. قال ابن الأنباري: وهذا قبيح، لأن الكلام قد طال بينهما، وقيل جواب القسم (هل أتاك حديث موسى) لأن المعنى: قد أتاك، وهذا ضعيف جدا، وقيل الجواب (يوم ترجف الراجفة) على تقدير ليوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة. وقال السجستاني: يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير، كأنه قال: فإذا هم بالساهرة والنازعات. قال ابن الأنباري: وهذا خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام، والأول أولى (يوم ترجف الراجفة) انتصاب هذا الظرف بالجواب المقدر للقسم، أو