تفسير للنداء: أي ناداه نداء هو قوله اذهب، وقيل هو على حذف أن المفسرة، ويؤيده قراءة ابن مسعود، اذهب، لأن في النداء معنى القول، وجملة (إنه طغى) تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال: أي جاوز الحد في العصيان والتكبر والكفر بالله (فقل) له (هل لك إلي أن تزكى) أي قوله بعد وصولك إليه هل لك رغبة إلى التزكي وهو التطهر من الشرك، وأصله تتزكى فحذفت إحدى التاءين. قرأ الجمهور " تزكى " بالتخفيف. وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي على إدغام التاء في الزاي. قال أبو عمرو بن العلاء معنى قراءة التخفيف تكون زكيا مؤمنا ومعنى قراءة التشديد الصدقة، وفي الكلام مبتدأ مقدر يتعلق به إلى، والتقدير: هل لك رغبة أو هل لك توجه أو هل لك سبيل إلى التزكي، ومثل هذا قولهم هل لك في الخير؟ يريدون هل لك رغبة في الخير، ومن هذا قول الشاعر: فهل لكم فيها إلى فإنني * بصير بما أعيا النطاسي جذيما (وأهديك إلى ربك فتخشى) أي أرشدك إلى عبادته وتوحيده فتخشى عقابه، والفاء لترتيب الخشية على الهداية، لأن الخشية لا تكون إلا من مهتد راشد (فأراه الآية الكبرى) هذه الفاء هي الفصيحة لإفصاحها عن كلام محذوف، يعني فذهب فقال له ما قال مما حكاه الله في غير موضع، وأجاب عليه بما أجاب إلى أن قال - إن كنت جئت بآية فأت بها - فعند ذلك أراه الآية الكبرى.
واختلف في الآية الكبرى ما هي؟ فقيل العصا، وقيل يده، وقيل فلق البحر، وقيل هي جميع ما جاء به من الآيات التسع (فكذب وعصى) أي فلما أراه الآية الكبرى كذب بموسى وبما جاء به وعصى الله عز وجل فلم يطعه (ثم أدبر) أي تولى وأعرض عن الإيمان (يسعى) أي يعمل بالفساد في الأرض ويجتهد في معارضة ما جاء به موسى، وقيل أدبر هاربا من الحية يسعى خوفا منها. وقال الرازي: معنى (أدبر يسعى) أقبل يسعى، كما يقال أقبل يفعل كذا: أي أنشأ يفعل كذا، فوضع أدبر موضع أقبل لئلا يوصف بالاقبال (فحشر) أي فجمع جنوده للقتال والمحاربة، أو جمع السحرة للمعارضة، أو جمع الناس للحضور ليشاهدوا ما يقع، أو جمعهم ليمنعوه من الحية (فنادى فقال أنا ربكم الأعلى) أي قال لهم بصوت عال، أو أمر من ينادى بهذا القول. ومعنى (أنا ربكم الأعلى) أنه لا رب فوقي. قال عطاء: كان صنع لهم أصناما صغارا وأمرهم بعبادتها وقال: أنا رب أصنامكم وقيل أراد بكونه ربهم أنه قائدهم وسائدهم. والأول أولى لقوله في آية أخرى - ما علمت لكم من إله غيري - (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) النكال نعت مصدر محذوف: أي أخذه أخذة نكال، أو هو مصدر لفعل محذوف: أي أخذه الله فنكله نكال الآخرة والأولى، أو مصدر مؤكد لمضمون الجملة، والمراد بنكال الآخرة عذاب النار ونكال الأولى عذاب الدنيا بالغرق. وقال مجاهد: عذاب أول عمره وآخره. وقال قتادة: الآخرة قوله " أنا ربكم الأعلى " والأولى تكذيبه لموسى. وقيل الآخرة قوله " أنا ربكم الأعلى " والأولى قوله - ما علمت لكم من إله غيري - وكان بين الكلمتين أربعون سنة، ويجوز أن يكون انتصاب نكال على أنه مفعول له: أي أخذه الله لأجل نكال، ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض: أي بنكال. ورجح الزجاج أنه مصدر مؤكد، قال: لأن معنى أخذه الله: نكل الله به، فأخرج من معناه لا من لفظه. وقال الفراء: أي أخذه الله أخذا نكالا: أي للنكال والنكال اسم لما جعل نكالا للغير: أي عقوبة له، يقال نكل فلان بفلان: إذا عاقبه، وأصل الكلمة من الامتناع، ومنه النكول عن اليمين، والنكل القيد (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) أي فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به عبرة عظيمة لمن شأنه أن يخشى الله ويتقيه، ويخاف عقوبته ويحاذر غضبه.