الحشر والقيامة والنار والعذاب إن كنتم صادقين في ذلك، والخطاب منهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولمن معه من المؤمنين، وجواب الشرط محذوف، والتقدير إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبينوه لنا، وهذا منهم استهزاء وسخرية. ثم لما قالوا هذا القول أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب عليهم فقال (قل إنما العلم عند الله) أي إن وقت قيام الساعة علمه عند الله لا يعلمه غيره، ومثله قوله - قل إنما علمها عند ربي - ثم أخبرهم أنه مبعوث للإنذار لا للإخبار بالغيب فقال (وإنما أنا نذير مبين) أنذركم وأخوفكم عاقبة كفركم وأبين لكم ما أمرني الله ببيانه. ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال (فلما رأوه زلفة) يعنى رأوا العذاب قريبا، وزلفة مصدر بمعنى الفاعل: أي مزدلفا أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف: أي ذا زلفة وقرب، أو ظرف: أي رأوه في مكان ذي زلفة. قال مجاهد: أي قريبا. وقال الحسن: عيانا. قال أكثر المفسرين:
المراد عذاب يوم القيامة، وقال مجاهد: المراد عذاب بدر، وقيل رأوا ما وعدوا به من الحشر قريبا منهم كما يدل عليه قوله (وإليه تحشرون) وقيل لما رأوا عملهم السئ قريبا (سيئت وجوه الذين كفروا) أي اسودت وعلتها الكآبة وغشيتها الذلة، يقال ساء الشئ يسوء فهو سئ إذا قبح. قال الزجاج: المعنى تبين فيها السوء: أي ساءهم ذلك العذاب فظهر عليهم بسببه في وجوههم ما يدل على كفرهم كقوله - يوم تبيض وجوه وتسود وجوه -.
قرأ الجمهور بكسر السين بدون إشمام، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وابن محيصن بالإشمام (وقيل هذا الذي كنتم به تدعون) أي قيل لهم توبيخا وتقريعا هذا المشاهد الحاضر من العذاب هو العذاب الذي كنتم به تدعون في الدنيا: أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاء، على أن معنى تدعون الدعاء. قال الفراء: تدعون تفتعلون من الدعاء:
أي تتمنون وتسألون، وبهذا قال الأكثر من المفسرين. وقال الزجاج: هذا الذي كنتم به تدعون الأباطيل والأحاديث. وقيل معنى تدعون: تكذبون، وهذا على قراءة الجمهور " تدعون " بالتشديد، فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر، أو من الدعوى كما قال الزجاج ومن وافقه، والمعنى: أنهم كانوا يدعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار. وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق ويعقوب والضحاك: تدعون مخففا، ومعناها ظاهر. قال قتادة:
هو قولهم - ربنا عجل لنا قطنا - وقال الضحاك: هو قولهم - اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء - الآية. قال النحاس: تدعون وتدعون بمعنى واحد كما تقول قدر واقتدر. وغدا واغتدى، إلا أن أفعل معناه مضى شيئا بعد شئ، وفعل يقع على القليل والكثير (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي) أي أخبروني إن أهلكني الله بموت أو قتل، ومن معي من المؤمنين (أو رحمنا) بتأخير ذلك إلى أجل، وقيل المعنى:
إن أهلكني الله ومن معي بالعذاب، أو رحمنا فلم يعذبنا (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم) أي فمن يمنعهم ويؤمنهم من العذاب. والمعنى: أنه لا ينجيهم من ذلك أحد سواء أهلك الله ورسوله والمؤمنين معه كما كان الكفار يتمنونه، أو أمهلهم. وقيل المعنى: إنا مع إيماننا بين الخوف والرجاء، فمن يجيركم مع كفركم من العذاب، ووضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالكفر، وبيان أنه السبب في عدم نجاتهم (قل هو الرحمن آمنا به) وحده، لا نشرك به شيئا (وعليه توكلنا) لا على غيره، والتوكل: تفويض الأمور إليه عز وجل (فستعلمون من هو في ضلال مبين) منا ومنكم، وفي هذا تهديد شديد مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف. قرأ الجمهور " ستعلمون " بالفوقية على الخطاب. وقرأ الكسائي بالتحتية على الخبر، ثم احتج سبحانه عليهم ببعض نعمه، وخوفهم بسلب تلك النعمة عنهم فقال (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) أي أخبروني إن صار ماؤكم غائرا في الأرض بحيث لا يبقى له وجود فيها أصلا، أو صار ذاهبا في الأرض إلى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء. يقال