المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تظاهرتا عليه. وما أحسن من قال، فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرشد أتم إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئا، وقد عصمهما الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) الكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله: أي جعل الله حال امرأة فرعون مثلا لحال المؤمنين ترغيبا لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين والصبر في الشدة، وأن صولة الكفر لا تضرهم كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم (إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) الظرف متعلق بضرب أو بمثلا: أي ابن لي بيتا قريبا من رحمتك، أو في أعلى درجات المقربين منك، أو في مكان لا يتصرف فيه إلا بإذنك وهو الجنة (ونجني من فرعون وعمله) أي من ذاته وما يصدر عنه من أعمال الشر (ونجني من القوم الظالمين) قال الكلبي: هم أهل مصر. وقال مقاتل: هم القبط. قال الحسن وابن كيسان: نجاها الله أكرم نجاة ورفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) معطوف على امرأة فرعون: أي وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنة عمران: أي حالها وصفتها، وقيل إن الناصب لمريم فعل مقدر: أي واذكر مريم، والمقصود من ذكرها أن الله سبحانه جمع لها بين كرامة الدنيا والآخرة واصطفاها على نساء العالمين مع كونها بين قوم كافرين (التي أحصنت فرجها) أي عن الفواحش، وقد تقدم تفسير هذا في سورة النساء. قال المفسرون: المراد بالفرج هنا الجيب لقوله (فنفخنا فيه من روحنا) وذلك أن جبريل نفخ في جيب درعها فحبلت بعيسى (وصدقت بكلمات ربها) يعني شرائعه التي شرعها لعباده، وقيل المراد بالكلمات هنا هو قول جبريل لها - إنما أنا رسول ربك - الآية. وقال مقاتل: يعني بالكلمات عيسى. قرأ الجمهور " وصدقت " بالتشديد، وقرأ حمزة الأموي ويعقوب وقتادة وأبو مجلز وعاصم في رواية عنه بالتخفيف. وقرأ الجمهور " بكلمات " بالجمع، وقرأ الحسن ومجاهد والجحدري " بكلمة " بالإفراد.
وقرأ الجمهور (وكتابه) بالإفراد، وقرأ أهل البصرة وحفص " كتبه " بالجمع، والمراد على قراءة الجمهور الجنس فيكون في معنى الجمع، وهي الكتب المنزلة على الأنبياء (وكانت من القانتين) قال قتادة: من القوم المطيعين لربهم. وقال عطاء: من المصلين، كانت تصلي بين المغرب والعشاء، ويجوز أن يراد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة، وقال: من القانتين ولم يقل من القانتات لتغليب الذكور على الإناث.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله (فخانتاهما) قال: ما زنتا: أما خيانة امرأة نوح فكانت تقول للناس: إنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل على الضيف فتلك خيانتهما. وأخرج ابن المنذر عنه: قال ما بغت امرأة نبي قط، وقد رواه ابن عساكر مرفوعا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة. وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة:
أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد وأضجعها قد على صدرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس،