تأكيدا لقوله أرأيتم: أي أخبروني أروني والمفعول الثاني لأرأيتم ماذا خلقوا، ويحتمل أن لا يكون تأكيدا، بل يكون هذا من باب التنازع، لأن أرأيتم يطلب مفعولا ثانيا، وأروني كذلك (أم لهم شرك في السماوات) أم هذه هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة، والمعنى: بل ألهم شركة مع الله فيها، والاستفهام للتوبيخ والتقريع (ائتوني بكتاب من قبل هذا) هذا تبكيت لهم وإظهار لعجزهم وقصورهم عن الإتيان بذلك، والإشارة بقوله هذا إلى القرآن، فإنه قد صرح ببطلان الشرك، وأن الله واحد لا شريك له، وأن الساعة حق لا ريب فيها، فهل للمشركين من كتاب يخالف هذا الكتاب، أو حجة تنافي هذه الحجة (أو أثارة من علم). قال في الصحاح: أو أثارة من علم بقية منه، وكذا الأثرة بالتحريك. قال ابن قتيبة: أي بقية من علم الأولين. وقال الفراء والمبرد: يعني ما يؤثر عن كتب الأولين. قال الواحدي: وهو معنى قول المفسرين. قال عطاء: أو شئ تأثرونه عن نبي كان قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال مقاتل: أو رواية من علم عن الأنبياء. وقال الزجاج: أو أثارة: أي علامة، والأثارة مصدر كالسماحة والشجاعة، وأصل الكلمة من الأثر، وهي الرواية: يقال أثرت الحديث آثره أثرة وأثارة وأثرا: إذا ذكرته عن غيرك. قرأ الجمهور " أثارة " على المصدر كالسماحة والغواية. وقرأ ابن عباس وزيد ابن علي وعكرمة والسلمي والحسن وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف. وقرأ الكسائي " أثرة " بضم الهمزة وسكون الثاء (إن كنتم صادقين) في دعواكم التي تدعونها، وهي قولكم إن لله شريكا ولم تأتوا بشئ من ذلك فتبين بطلان قولهم لقيام البرهان العقلي والنقلي على خلافه (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له ) أي لا أحد أضل منه ولا أجهل فإنه دعا من لا يسمع، فكيف يطمع في الإجابة فضلا عن جلب نفع أو دفع ضر؟
فتبين بهذا أنه أجهل الجاهلين وأضل الضالين، والاستفهام للتقريع والتوبيخ، وقوله (إلى يوم القيامة) غاية لعدم الاستجابة (وهم عن دعائهم غافلون) الضمير الأول للأصنام، والثاني لعابديها، والمعنى: والأصنام التي يدعونها عن دعائهم إياها غافلون عن ذلك، لا يسمعون ولا يعقلون لكونهم جمادات، والجمع في الضميرين باعتبار معنى من، وأجرى على الأصنام ما هو للعقلاء لاعتقاد المشركين فيها أنها تعقل (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء) أي إذا حشر الناس العابدين للأصنام كان الأصنام لهم أعداء يتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضا وقد قيل إن الله يخلق الحياة في الأصنام فتكذبهم. وقيل المراد أنها تكذبهم وتعاديهم بلسان الحال لا بلسان المقال.
وأما الملائكة والمسيح وعزير والشياطين فإنهم يتبرءون ممن عبدهم يوم القيامة كما في قوله تعالى - تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون - (وكانوا بعبادتهم كافرين) أي كان المعبودون بعبادة المشركين إياهم كافرين: أي جاحدين مكذبين وقيل الضمير في كانوا للعابدين كما في قوله - والله ربنا ما كنا مشركين -، والأول أولى (وإذا تتلى عليهم آياتنا) أي آيات القرآن حال كونها (بينات) واضحات المعاني ظاهرات الدلالات (قال الذين كفروا للحق) أي لأجله وفي شأنه، وهو عبارة عن الآيات (لما جاءهم) أي وقت أن جاءهم (هذا سحر مبين) أي ظاهر السحرية (أم يقولون افتراه) أم هي المنقطعة: أي بل أيقولون افتراه والاستفهام للإنكار والتعجب من صنيعهم، وبل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحرا إلى قولهم: إن رسول الله افترى ما جاء به، وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا يخفي ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال (قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) أي قل إن افتريته على سبيل الفرض والتقدير: كما تدعون، فلا تقدرون على أن تردوا عني عقاب الله، فكيف افترى على الله لأجلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني (هو أعلم بما تفيضون فيه) أي تخوضون فيه من التكذيب والإفاضة في الشئ الخوض فيه والاندفاع فيه، يقال أفاضوا في الحديث: أي اندفعوا فيه، وأفاض البعير: إذا دفع جرته من كرشه.