التفسير يقولون المستقر ما كان في الرحم، والمستودع ما كان في الصلب، وقيل المستقر من خلق، والمستودع من لم يخلق، وقيل الاستيداع إشارة إلى كونهم في القبور إلى المبعث.
ومما يدل على تفسير المستقر بالكون على الأرض قول الله تعالى - ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين -، وذكر سبحانه هاهنا (يفقهون) وفيما قبله (يعلمون) لأن في إنشاء الأنفس من نفس واحدة وجعل بعضها مستقرا وبعضها مستودعا من الغموض والدقة ما ليس في خلق النجوم للاهتداء. فناسبه ذكر الفقه لإشعاره بمزيد تدقيق وإمعان فكر. قوله (وهو الذي أنزل من السماء ماء) هذا نوع آخر من عجائب مخلوقاته. والماء هو ماء المطر، وفي (فأخرجنا به) التفات من الغيبة إلى التكلم إظهار للعناية بشأن هذا المخلوق وما ترتب عليه، والضمير في (به) عائد إلى الماء، و (نبات كل شئ) يعني كل صنف من أصناف النبات المختلفة، وقيل المعنى رزق كل شئ، والتفسير الأول أولى. ثم فصل هذا الإجمال فقال (فأخرجنا منه خضرا) قال الأخفش: أي أخضر. والخضر:
رطب البقول، وهو ما يتشعب من الأغصان الخارجة من الحبة، وقيل يريد القمح والشعير والذرة والأرز وسائر الحبوب (نخرج منه حبا) هذه الجملة صفة لخضرا: أي نخرج من الأغصان الخضر حبا متراكبا: أي مركبا بعضه على بعضه كما في السنابل (ومن النخل) خبر مقدم، و (من طلعها) بدل منه، وعلى قراءة من قرأ يخرج منه حب يكون ارتفاع قنوان على أنه معطوف على حب، وأجاز الفراء في غير القرآن قنوانا عطفا على حبا، وتميم يقولون قنيان. وقرئ بضم القاف وفتحها باعتبار اختلاف اللغتين لغة قيس ولغة أهل الحجاز. والطلع:
الكفري قبل أن ينشق عن الإغريض، والإغريض، يسمى طلعا أيضا. والقوان: جمع قنو، والفرق بين جمعه وتثنيته أن المثنى مكسور النون، والجمع على ما يقتضيه الإعراب، ومثله صنوان. والقنو: العذق. والمعنى: أن القنوان أصله من الطلع. والعذق هو عنقود النخل، وقيل القنوان: الجمار. والدانية: القريبة التي ينالها القائم والقاعد. قال الزجاج: المعنى منها دانية ومنها بعيدة فحذف، ومثله - سرابيل تقيكم الحر - وخص الدانية بالذكر لأن الغرض من الآية بيان القدر والامتنان، وذلك فيما يقرب تناوله أكثر. قوله (وجنات من أعناب) قرأ محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش وعاصم في قراءته الصحيحة عنه برفع جنات، وقرأ الباقون بالنصب. وأنكر القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم حتى قال أبو حاتم هي محال، لأن الجنات لا تكون من النخل. قال النحاس:
ليس تأويل الرفع عل هذا ولكنه رفع بالابتداء، والخبر محذوف: أي ولهم جنات كما قرأ جماعة من القراء - وحور عين، وقد أجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء، وأما على النصب فقيل هو معطوف على (نبات كل شئ) أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب، أو النصب بفعل يقدر متأخرا: أي وجنات من أعناب أخرجناهم، وهكذا القول في انتصاب الزيتون والرمان: وقيل هما منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين، و (مشتبها) منتصب على الحال: أي كل واحد منهما يشبه بعضه بعضا في بعض أوصافه ولا يشبه بعضه بعضا في البعض الآخر، وقيل إن أحدهما يشبه الآخر في الورق باعتبار اشتماله على جميع الغصن وباعتبار حجمه، ولا يشبه أحدهما الآخر في الطعم، وقيل خص الزيتون والرمان لقرب منابتهما من العرب كما في قول الله سبحانه - أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت -، ثم أمرهم سبحانه بأن ينظروا نظر اعتبار إلى ثمره إذا أثمر وإلى ينعه إذا أينع. والثمر في اللغة: جنى الشجر. واليانع: الناضج الذي قد أدرك وحان قطافه. قال ابن الأنباري: الينع جمع يانع. كركب وراكب.
وقال الفراء: أينع احمر. وقرأ حمزة والكسائي " ثمره " بضم الثاء والميم، وقرأ الباقون بفتحها، إلا الأعمش فإنه قرأ ثمره بضم الثاء وسكون الميم تخفيفا. وقرأ محمد بن السميفع وابن محيصن وابن أبي إسحاق " وينعه " بضم الياء التحتية.