وفى لفظ " إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر ". وأخرج ابن جرير عنه قال: لا يحيط بصر أحد بالله.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله (لا تدركه الأبصار) قال: في الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية مثله. سورة الأنعام الآية (104 - 108) البصائر جمع بصيرة، وهي في الأصل: نور القلب، والمراد بها هنا الحجة البينة والبرهان الواضح، وهذا الكلام وارد على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا قال في آخره (وما أنا عليكم بحفيظ) ووصف البصائر بالمجئ تفخيما لشأنها وجعلها بمنزلة الغائب المتوقع مجيئه كما يقال جاءت العافية، وانصرف المرض، وأقبلت السعود، وأدبرت النحوس (فمن أبصر فلنفسه) أي فمن تعقل الحجة وعرفها وأذعن لها فنفع ذلك لنفسه لأنه ينجو بهذا الإبصار من عذاب النار (ومن عمى) عن الحجة ولم يتعقلها ولا أذعن لها، فضرر ذلك على نفسه لأنه يتعرض لغضب الله في الدنيا ويكون مصيره النار (وما أنا عليكم بحفيظ) برقيب أحصى عليكم أعمالكم، وإنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم. قال الزجاج: نزل هذا قبل فرض القتال ثم أمر أن يمنعهم بالسيف من عبادة الأوثان (وكذلك نصرف الآيات) أي مثل ذلك التصريف البديع نصرفها في الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه. قوله (وليقولوا درست) العطف على محذوف: أي نصرف الآيات لتقوم الحجة وليقولوا درست، أو علة لفعل محذوف يقدر متأخرا: أي وليقولوا درست صرفناها، وعلى هذا تكون اللام للعاقبة أو للصيرورة.
والمعنى: ومثل ذلك التصريف نصرف الآيات وليقولوا درست، فإنه لا احتفال بقولهم ولا اعتداد بهم فيكون معناه الوعيد والتهديد لهم وعدم الاكتراث بقولهم. وقد أشار إلى مثل هذا الزجاج. وقال النحاس: وفي المعنى قول آخر حسن، وهو أن يكون معنى (نصرف الآيات) نأتي بها آية بعد آية (ليقولوا درست) علينا فيذكرون الأول بالآخر، فهذا حقيقته، والذي قاله أبو إسحاق: يعني الزجاج مجاز، وفى (درست) قراءات، قرأ أبو عمرو وابن كثير " دارست " بألف بين الدال والراء كفاعلت، وهي قراءة علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأهل مكة. وقرأ ابن عامر " درست " بفتح السكين وإسكان التاء من غير ألف كخرجت، وهي قراءة الحسن. وقرأ الباقون " درست " كضربت، فعلى القراءة الأولى المعنى: دارست أهل الكتاب ودارسوك:
أي ذاكرتهم وذاكروك، ويدل على هذا ما وقع في الكتاب العزيز من إخبار الله عنهم بقوله - وأعانه عليه قوم آخرون - أي أعان اليهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم على القرآن، ومثله قولهم - أساطير الأولين اكتتبها فهي