أي أسرع، وقيل إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين، وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك. والجناح:
أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء، وأصله الميل إلى ناحية من النواحي. والمعنى: ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها (إلا أمم أمثالكم) أي جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم، ورزقهم كما رزقكم داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شئ، وقيل (أمثالنا) في ذكر الله والدلالة عليه، وقيل (أمثالنا) في كونهم محشورين، روى ذلك عن أبي هريرة. وقال سفيان بن عيينة: أي مامن صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه، فمنهم من يعدو كالأسد، ومنهم من يشره كالخنزير، ومنهم من يعوي كالكلب، ومنهم من يزهو كالطاوس، وقيل (أمثالكم) في أن لها أسماء تعرف بها. وقال الزجاج (أمثالكم) في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص. والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنا ما كان. قوله (ما فرطنا في الكتاب من شئ) أي ما أغفلنا عنه ولا ضيعنا فيه من شئ. والمراد بالكتاب: اللوح المحفوظ، فإن الله أثبت فيه جميع الحوادث، وقيل إن المراد به القرآن: أي ما تركنا في القرآن من شئ من أمر الدين إما تفصيلا أو إجمالا، ومثله قوله تعالى - ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ -، وقال - وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم -، ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله - ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا - فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكل حكم سنه الرسول لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز، بهذه الآية وبنحو قوله تعالى - قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني - وبقوله - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة -، " ومن " في (من شئ) مزيدة للاستغراق. قوله (ثم إلى ربهم يحشرون) يعنى الأمم المذكورة، وفيه دلالة على أنها تحشر كما يحشر بنو آدم.
وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء، ومنهم أبو ذر وأبو هريرة والحسن وغيرهم، وذهب ابن عباس إلي أن حشرها موتها، وبه قال الضحاك. والأول أرجح للآية، ولما صح في السنة المطهرة من أنه يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، ولقول الله تعالى - وإذا الوحوش حشرت -: وذهبت طائفة من العلماء إلى أن المراد بالحشر المذكور في الآية حشر الكفار، وما تخلل كلام معترض. قالوا: وأما الحديث فالمقصود به التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص. واستدلوا أيضا بأن في هذا الحديث خارج الصحيح عن بعض الرواة زيادة. ولفظه " حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء، وللحجر لم ركب على الحجر؟ والعود لم خدش العود؟ " قالوا: والجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها. قوله (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم) أي لا يسمعون بأسماعهم ولا ينطقون بألسنتهم، نزلهم منزلة من لا يسمع ولا ينطق لعدم قبولهم لما ينبغي قبوله من الحجج الواضحة والدلائل الصحيحة.
وقال أبو علي: يجوز أن يكون صممهم وبكمهم في الآخرة. قوله (في الظلمات) أي في ظلمات الكفر والجهل والحيرة لا يهتدون لشئ مما فيه صلاحهم. والمعنى: كائنين في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات وضموا إلى الصمم والبكم عدم الانتفاع بالأبصار لتراكم الظلمة عليهم، فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال وقد تقدم في البقرة تحقيق المقام بما يغنى عن الإعادة، ثم بين سبحانه أن الأمر بيده ما شاء يفعل، من شاء تعالى أن يضله أضله، ومن شاء أن يهديه جعله على صراط مستقيم لا يذهب به إلى غير الحق. ولا يمشي فيه إلا إلى صوب الاستقامة.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله (إلا أمم أمثالكم)