إنها في محل نصب بسقوط حرف الجر، والتقدير فما لبث عن أن جاء: أي ما أبطأ إبراهيم عن مجيئه بعجل وما نافيه قاله سيبويه. وقال الفراء فما لبث مجيئه أي ما أبطأ مجيئه، وقيل إن ما موصولة وهي مبتدأ والخبر أن جاء بعجل حنيذ والتقدير: فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ، والحنيذ: المشوي مطلقا، وقيل المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار، يقال حنذ الشاة يحنذها: جعلها فوق حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ، وقيل معنى حنيذ:
سمين، وقيل الحنيذ هو السميط، وقيل النضيج، وهو فعيل بمعنى مفعول، وإنما جاءهم بعجل، لأن البقر كانت أكثر أمواله (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه) أي لا يمدونها إلى العجل كما يمد يده من يريد الأكل (نكرهم) يقال: نكرته وأنكرته واستنكرته: إذا وجدته على غير ما تعهد، ومنه قول الشاعر:
فأنكرتني وما كان الذي نكرت * من الحوادث إلا الشيب والصلعا فجمع بين اللغتين، ومما جمع فيه بين اللغتين قول الشاعر:
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها * خرجت مع البازي علي سواد وقيل يقال: أنكرت لما تراه بعينك، ونكرت لما تراه بقلبك، قيل وإنما استنكر منهم ذلك، لأن عادتهم أن الضيف إذا نزل بهم ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه قد جاء بشر (وأوجس منهم) أي أحسن في نفسه منهم (خيفة) أي خوفا وفزعا، وقيل معنى أوجس: أضمر في نفسه خيفة، والأول ألصق بالمعنى اللغوي، ومنه قول الشاعر:
جاء البريد بقرطاس يحث به * فأوجس القلب من قرطاسه فزعا وكأنه ظن أنهم قد نزلوا به لأمر ينكره، أو لتعذيب قومه (قالوا لا تخف) قالوا له هذه المقالة مع كونه لم يتكلم بما يدل على الخوف، بل أوجس ذلك في نفسه، فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه، أو قالوه له بعد ما قال عقب ما أوجس في نفسه من الخيفة قولا يدل على الخوف كما في قوله في سورة الحجر - قال إنا منكم وجلون -، ولم يذكر ذلك هاهنا اكتفاء بما هنالك، ثم عللوا نهيه عن الخوف بقولهم (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) أي أرسلنا إليهم خاصة، ويمكن أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال قولا يكون هذا جوابا عنه - قال فما خطبكم أيها المرسلون. قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين -، وجملة (وامرأته قائمة فضحكت) في محل نصب على الحال، قيل كانت قائمة عند تحاورهم وراء الستر، وقيل كانت قائمة تخدم الملائكة وهو جالس، والضحك هنا هو الضحك المعروف الذي يكون للتعجب أو للسرور كما قاله الجمهور. وقال مجاهد وعكرمة: إنه الحيض، ومنه قول الشاعر:
وإني لآتي العرس عند طهورها * وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا وقال الآخر:
وضحك الأرانب فوق الصفا * كمثل دم الخوف يوم اللقا والعرب تقول ضحكت الأرنب: إذا حاضت. وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت (فبشرناها بإسحاق) ظاهره أن التبشير كان بعد الضحك. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير.
والمعنى: فبشرناها فضحكت سرورا بالولد. وقرأ محمد بن زياد من قراء مكة فضحكت بفتح الحاء. وأنكره