سورة هود الآية (18 - 24) قوله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أي لا أحد أظلم منهم لأنفسهم لأنهم افتروا على الله كذبا بقولهم لأصنامهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وقولهم: الملائكة بنات الله، وأضافوا كلامه سبحانه إلى غيره، واللفظ وإن كان لا يقتضى إلا نفي وجود من هو أظلم منهم كما يفيده الاستفهام الإنكاري، فالمقام يفيد نفي المساوي لهم في الظلم، فالمعنى على هذا: لا أحد مثلهم في الظلم فضلا عن أن يوجد من هو أظلم منهم، والإشارة بقوله أولئك إلى الموصوفين بالظلم المتبالغ، وهو مبتدأ، وخبره يعرضون على ربهم فيحاسبهم على أعمالهم، أو المراد بعرضهم:
عرض أعمالهم (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) الأشهاد: هم الملائكة الحفظة، وقيل المرسلون، وقيل الملائكة والمرسلون والعلماء الذين بلغوا ما أمرهم الله بإبلاغه، وقيل جميع الخلائق. والمعنى: أنه يقول هؤلاء الأشهاد عند العرض: هؤلاء المعرضون أو المعروضة أعمالهم الذين كذبوا على ربهم بما نسبوه إليه ولم يصرحوا بما كذبوا به كأنه كان أمرا معلوما عند أهل ذلك الموقف. قوله (ألا لعنة الله على الظالمين) هذا من تمام كلام الأشهاد أي يقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ويقولون: ألا لعنة الله على الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالافتراء، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه قاله بعد ما قال الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم. والأشهاد جمع شهيد، ورجحه أبو علي بكثرة ورود شهيد في القرآن كقوله - ويكون الرسول عليكم شهيدا. فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا -، وقيل هو جمع شاهد كأصحاب وصاحب، والفائدة في قول الأشهاد بهذه المقالة المبالغة في فضيحة الكفار، والتقريع لهم على رؤوس الأشهاد، ثم وصف هؤلاء الظالمين الذين لعنوا بأنهم (الذين يصدون عن سبيل الله) أي يمنعون من قدروا على منعه عن دين الله والدخول فيه (ويبغونها عوجا) أي يصفونها بالاعوجاج تنفيرا للناس عنها، أو يبغون أهلها أن يكونوا معوجين بالخروج عنها إلى الكفر، يقال بغيتك شرا: أي طلبته لك (و) الحال (أن (هم بالآخرة هم كافرون) أي يصفونها بالعوج، والحال أنهم بالآخرة غير مصدقين فكيف يصدون الناس عن طريق الحق وهم على الباطل البحت؟ وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به، حتى كأن كفر غيرهم غير معتد به بالنسبة إلى عظيم كفرهم (أولئك) الموصوفون بتلك الصفات (لم يكونوا معجزين في الأرض) أي ما كانوا يعجزون الله في الدنيا إن أراد عقوبتهم (وما كان لهم من دون الله