والأمة اشتقاقها من الأم: وهو القصد، وأراد بها الوقت المقصود لإيقاع العذاب، وقيل هي في الأصل الجماعة من الناس، وقد يسمى الحين باسم ما يحصل فيه كقولك كنت عند فلان صلاة العصر: أي في ذلك الحين، فالمراد على هذا إلى حين تنقضي أمة معدودة من الناس (ليقولن ما يحبسه) أي أي شئ يمنعه من النزول استعجالا له على جهة الاستهزاء والتكذيب، فأجابهم الله بقوله (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) أي ليس محبوسا عنهم، بل واقع بهم لا محالة، ويوم منصوب بمصروفا (وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه استهزاء منهم، ووضع يستهزءون مكان يستعجلون، لأن استعجالهم كان استهزاء منهم، وعبر بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه فكأنه قد حاق بهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قرأ (الر) كتاب أحكمت آياته) قال: هي كلها محكمة يعني سورة هود (ثم فصلت) قال: ثم ذكر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فحكم فيها بينه وبين من خالفه وقرأ مثل الفريقين الآية كلها، ثم ذكر قوم نوح ثم هود، فكان هذا تفصيل ذلك، وكان أوله محكما قال: وكان أبي يقول ذلك، يعني زيد بن أسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله (كتاب أحكمت آياته) قال: أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالوعد والوعيد وأخرج هؤلاء عن مجاهد (فصلت) قال:
فسرت. وأخرج هؤلاء أيضا عن قتادة في الآية قال: أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه، فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته، وفي قوله (من لدن حكيم) يعني من عند حكيم، وفي قوله (يمتعكم متاعا حسنا) قال: فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه، فإن الله منعم يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله، وذلك قضاؤه الذي قضاء، وفي قوله (إلى أجل مسمى) يعني الموت، وفي قوله (يؤت كل ذي فضل فضله) أي في الآخرة. وأخرج هؤلاء أيضا عن مجاهد في قوله يؤت كل ذي فضل فضله: أي في الآخرة. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: يؤت كل ذي فضل في الإسلام فضل الدرجات في الآخرة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله (ويؤت كل ذي فضل فضله) قال: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات، ثم يقول: هلك من غلب آحاده أعشاره. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله (ألا انهم يثنون صدورهم) الآية قال: كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم. قال البخاري - وعن ابن عباس (يستغشون) يغطون رؤوسهم. وروى البخاري أيضا عن ابن عباس في تفسير هذه الآية، يعني به الشك في الله، وعمل السيئات وكذا روى عن مجاهد والحسن وغيرهما: أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه، فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك، فأعلمهم سبحانه أنه حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل (يعلم ما يسرون) من القول (وما يعلنون). وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله ابن شداد بن الهاد في قوله (ألا إنهم يثنون صدورهم) قال: كان المنافقون إذا مر أحدهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثنى صدره وتغشى ثوبه لكيلا يراه، فنزلت. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله (ألا حين يستغشون ثيابهم) قال: في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رزين في الآية قال: كان أحدهم يحني ظهره، ويستغشي بثوبه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: كانوا يخبون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله. قال تعالى (ألا حين