الله عليه وآله وسلم قد عين هذا المسجد الذي أسس على التقوى، وجزم بأنه مسجده صلى الله عليه وآله وسلم كما قدمنا من الأحاديث الصحيحة، فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة ولا جماعة منهم ولا غيرهم ولا يصح لإيراده في مقابلة ما قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا فائدة في إيراد ما ورد في فضل الصلاة في مسجد قباء، فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذي أسس على التقوى، على أن ما ورد في فضائل مسجده صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء بلا شك ولا شبهة تعم. وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال: وكانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية، وفي إسناده يونس بن الحارث، وهو ضعيف. وأخرج الطبراني وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم؟ فقالوا: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو قال: مقعدته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هو هذا. وأخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عويم ابن ساعدة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال إن: الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تتطهرون به؟ فقالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا، رواه أحمد عن حسن بن محمد. حدثنا أبو أويس حدثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدة فذكره. وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه. وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الجارود في المنتقى والدارقطني والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عن طلحة بن نافع قال: حدثني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن هذه الآية لما نزلت (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا معشر الأنصار إن الله قد اثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا؟
قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة، قال: فهل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء، قال: هو ذاك فعليكموه. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وابن جرير والبغوي في معجمه والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن محمد بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال:
لما أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قباء فقال: إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني؟ يعني قوله تعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فقالوا:
يا رسول الله إنا لنجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء، ونحن نفعله اليوم. وإسناد أحمد في هذا الحديث هكذا: حدثنا يحيى بن آدم حدثني مالك يعني ابن مغول سمعت سيارا أبا الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام. وقد روى عن جماعة من التابعين في ذكر سبب نزول الآية نحو هذا ولا يخفاك أن بعض هذه الأحاديث ليس فيه تعيين مسجد قباء وأهله، وبعضها ضعيف، وبعضها لا تصريح فيه بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، وعلى كل حال لا تقاوم تلك الأحاديث المصرحة بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحتها وصراحتها. وأخرج بن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (فانهار به في نار جهنم) قال: يعني قواعده في نار جهنم. وأخرج مسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: لقد رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حيث انهار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس