قال قطرب: معناه عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم وقرنوه بالمحرم في التحريم. وكذا قال الطبري: قوله (فيحلوا ما حرم الله) أي من الأشهر الحرم التي أبدلوها بغيرها (زين لهم سوء أعمالهم) أي زين لهم الشيطان الأعمال السيئة التي يعملونها، ومن جملتها النسيء. وقرئ على البناء للفاعل (والله لا يهدى القوم الكافرين) أي المصرين على كفرهم المستمرين عليه فلا يهديهم هداية توصلهم إلى المطلوب، وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في حجته فقال " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ". وأخرج نحوه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث ابن عمر. وأخرج نحوه ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث ابن عباس. وأخرج نحوه أيضا البزار وابن جرير وابن مردويه من حديث أبي هريرة. وأخرجه أحمد وابن مردويه من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعا مطولا. وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس (منها أربعة حرم) قال: المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: إنما سمين حرما لئلا يكون فيهن حرب. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن، وجعل الدين فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) قال: في كلهن (وقاتلوا المشركين كافة) يقول جميعا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله (وقاتلوا المشركين كافة) قال: نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة. وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت العرب يحلون عاما شهرا وعاما شهرين، ولا يصيبون الحج إلا في كل سنة وعشرين سنة مرة، وهي النسئ الذي ذكره الله في كتابه، فلما كان عام حج أبو بكر بالناس وافق ذلك العام، فسماه الله الحج الأكبر، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العام المقبل، واستقبل الناس الأهلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ".
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعقبة فقال: إنما النسئ من الشيطان زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما، فكانوا يحرمون المحرم عاما ويستحلون صفر، ويحرمون صفر عاما ويستحلون المحرم، وهي النسئ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان جنادة بن عوف الكناني يوافي الموسم كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فينادى ألا إن أبا ثمامة لا يخاب ولا يعاب، ألا وإن صفر الأول العام حلال فيحله للناس، فيحرم صفر عاما، ويحرم المحرم عاما. فذلك قوله تعالى (إنما النسئ زيادة في الكفر) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: المحرم كانوا يسمونه صفر، وصفر يقولون صفران الأول والآخر، يحل لهم مرة الأول، ومرة الآخر. وأخرج ابن مردويه عنه قال: كانت النساءة حي من بني مالك من كنانة من بني فقيم، فكان آخرهم رجلا يقال له القلمس، وهو الذي أنسأ المحرم؟