لا نسبة للمتناهي الزائل إلى غير المتناهي الباقي، والظاهر أن هذا التثاقل لم يصدر من الكل، إذ من البعيد أن يطبقوا جميعا على التباطئ والتثاقل، وإنما هو من باب نسبة ما يقع من البعض إلى الكل، وهو كثير شائع. قوله (إلا تنفروا يعذبكم) هذا تهديد شديد، ووعيد مؤكد لمن ترك النفير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يعذبكم عذابا أليما) أي يهلككم بعذاب شديد مؤلم، قيل في الدنيا فقط، وقيل هو أعم من ذلك. قوله (ويستبدل قوما غيركم) أي يجعل لرسله بدلا منكم ممن لا يتباطأ عند حاجتهم إليهم.
واختلف في هؤلاء القوم من هم؟ فقيل أهل اليمن، وقيل أهل فارس، ولا وجه للتعيين بدون دليل. قوله (ولا تضروه شيئا) معطوف على (يستبدل)، والضمير قيل لله، وقيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي ولا تضروا الله بترك امتثال أمره بالنفير شيئا، أو لا تضروا رسول الله بترك نصره والنفير معه شيئا (والله على كل شئ قدير) ومن جملة مقدوراته تعذيبكم والاستبدال بكم. قوله (إلا تنصروه فقد نصره الله) أي إن تركتم نصره فالله متكفل به، فقد نصره في مواطن القلة، وأظهره على عدوه بالغلبة والقهر، أو فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد وقت إخراج الذين كفروا له حال كونه (ثاني اثنين) أي أحد اثنين، وهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. وقرئ بسكون الياء. قال ابن جنى: حكاها أبو عمرو بن العلاء، ووجهها أن تسكن الياء تشبيها لها بالألف قال ابن عطية: فهي كقراءة الحسن ما بقى من الربا، وكقول جرير:
هو الخليفة فارضوا ما رضيه لكم * ماضي العزيمة ما في حكمه جنف قوله (إذ هما في الغار) بدل من (إذ أخرجه) بدل بعض، والغار: ثقب في الجبل المسمى ثورا، وهو المشهور بغار ثور، وهو جبل قريب من مكة، وقصة خروجه صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ودخولهما الغار مشهورة مذكورة في كتب السير والحديث. قوله (إذ يقول لصاحبه) بدل ثان: أي وقت قوله لأبي بكر (لا تحزن إن الله معنا) أي دع الحزن فإن الله بنصره وعونه وتأييده معنا، ومن كان الله معه فلن يغلب، ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن. قوله (فأنزل الله سكينته عليه) السكينة: تسكين جأشه وتأمينه حتى ذهب روعه وحصل له الأمن، على أن الضمير في (عليه) لأبي بكر، وقيل هو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له، ويؤيد كون الضمير في (عليه) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الضمير في (وأيده بجنود لم تروها) فإنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه المؤيد بهذه الجنود التي هي الملائكة كما كان في يوم بدر، وقيل إنه لا محذور في رجوع الضمير من (عليه) إلى أبي بكر ومن (وأيده) إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ذلك كثير في القرآن وفي كلام العرب (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى) أي كلمة الشرك، وهي دعوتهم إليه، ونداؤهم للأصنام (وكلمة الله هي العليا) قرأ الأعمش ويعقوب بنصب كلمة حملا على جعل، وقرأ الباقون برفعها على الاستئناف. وقد ضعف قراءة النصب الفراء وأبو حاتم، وفي ضمير الفصل، أعني (هي) تأكيد لفضل كلمته في العلو وأنها المختصة به دون غيرها، وكلمة الله هي كلمة التوحيد، والدعوة إلى الإسلام (والله عزيز حكيم) أي غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب، ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبة بالأمر الجزم فقال (انفروا خفافا وثقالا) أي حال كونكم خفافا وثقالا، قيل المراد منفردين أو مجتمعين، وقيل نشاطا وغير نشاط، وقيل فقراء وأغنياء، وقيل شبابا وشيوخا، وقيل رجالا وفرسانا، وقيل من لا عيال له ومن له