وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم، كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين، ثم حكم عليهم بالفسق، وهو التمرد والتجري، والخروج عن الحق لنقضهم العهود، وعدم مراعاتهم للعقود، ثم وصفهم بقوله (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا) أي استبدلوا بآيات القرآن التي من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمنا قليلا حقيرا، وهو ما آثروه من حطام الدنيا (فصدوا عن سبيله) أي فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق، أو صرفوا غيرهم عنه.
قوله (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) قال النحاس: ليس هذا تكريرا، ولكن الأول لجميع المشركين، والثاني لليهود خاصة، والدليل على هذا (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا) يعني اليهود، وقيل هذا فيه مراعاة حقوق المؤمنين على الإطلاق، وفي الأول المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة (وأولئك هم المعتدون) أي المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد، أو البالغون في الشر والتمرد إلى الغاية القصوى (فإن تابوا) عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام (فإخوانكم) أي فهم إخوانكم (في الدين) أي في دين الإسلام (ونفصل الآيات) أي نبينها ونوضحها (لقوم يعلمون) بما فيها من الأحكام ويفهمونه، وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها، والمراد بالآيات ما مر من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم.
وقد أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) قال: قريش وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاهد أناسا من بني ضمرة بني بكر وكنانة خاصة، عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر، وهم الذين ذكر الله (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) يقول: ما وفوا لكم بالعهد ففوا لهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: هم بنو جذيمة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) قال: هو يوم الحديبية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (إلا ولا ذمة) قال: الإل القرابة والذمة العهد. وأخرج الفريابي وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: الإل الله عز وجل. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا) قال: أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (فإن تابوا) الآية يقول: إن تركوا اللات والعزى وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإخوانكم في الدين. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: حرمت هذه الآية قتال أو دماء أهل الصلاة.
سورة براءة الآية (12 - 14)