أبو عبيدة. قال النحاس: لأنها أعم، والخاص يدخل تحت العام. وقد يحتمل أن يراد بالجمع المسجد الحرام خاصة، وهذا جائز فيما كان من أسماء الأجناس كما يقال فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا قال: وقد أجمعوا على الجمع في قوله (إنما يعمر مساجد الله) وروى عن الحسن البصري أنه تعالى إنما قال " مساجد " والمراد المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها، فعامره كعامر جميع المساجد. قال الفراء: العرب قد تضع الواحد مكان الجمع كقولهم: فلان كثير الدرهم وبالعكس كقولهم فلان يجالس الملوك ولعله لم يجالس إلا ملكا واحدا والمراد بالعمارة إما المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي، وهو ملازمته والتعبد فيه، وكلاهما ليس للمشركين، أما الأول فلأنه يستلزم المنة على المسلمين بعمارة مساجدهم، وأما الثاني فلكون الكفار لا عبادة لهم مع نهيهم عن قربان المسجد الحرام، ومعنى (ما كان للمشركين) ما صح لهم وما استقام أن يفعلوا ذلك، و (شاهدين على أنفسهم بالكفر) حال: أي ما كان لهم ذلك حال كونهم شاهدين على أنفسهم بالكفر بإظهار ما هو كفر من نصب الأوثان والعبادة لها وجعلها آلهة، فإن هذا شهادة منهم على أنفسهم بالكفر وإن أبوا ذلك بألسنتهم، فيكف يجمعون بين أمرين متنافيين: عمارة المساجد التي هي من شأن المؤمنين، والشهادة على أنفسهم بالكفر التي ليست من شأن من يتقرب إلى الله بعمارة مساجده. وقيل المراد بهذه الشهادة قولهم في طوافهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، وقيل شهادتهم على أنفسهم بالكفر: إن اليهودي يقول هو يهودي والنصراني يقول هو نصراني والصابئ يقول هو صابئ، والمشرك يقول هو مشرك (أولئك حبطت أعمالهم) التي يفتخرون بها ويظنون أنها من أعمال الخير: أي بطلت ولم يبق لها أثر (وفي النار هم خالدون) وفي هذه الجملة الاسمية مع تقديم الظرف المتعلق بالخبر تأكيد لمضمونها، ثم بين سبحانه من هو حقيق بعمارة المساجد فقال (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) وفعل ما هو من لوازم الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة (ولم يخش) أحدا (إلا الله) فمن كان جامعا بين هذه الأوصاف فهو الحقيق بعمارة المساجد. لا من كان خاليا منها أو من بعضها، واقتصر على ذكر الصلاة والزكاة والخشية تنبيها بما هو من أعظم أمور الدين على ما عداه مما افترضه الله على عباده، لأن كل ذلك من لوازم الإيمان، وقد تقدم الكلام في وجه جمع المساجد وفي بيان ماهية العمارة، ومن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز حمل العمارة هنا عليهما، وفي قوله (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم، فإن الموصوفين بتلك الصفات إذا كان اهتداؤهم مرجوا فقط، فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشئ من تلك الصفات، وقيل عسى من الله واجبة، وقيل هي بمعنى خليق: أي فخليق أن يكونوا من المهتدين، وقيل إن الرجاء راجع إلى العباد، والاستفهام في (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) للإنكار، والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية، وفي الكلام حذف، والتقدير: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وعمارة المسجد، أو أهلهما (كمن آمن) حتى يتفق الموضوع والمحمول أو يكون التقدير في الخبر: أي جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كعمل من آمن أو كإيمان من آمن. وقرأ ابن أبي وجرة السعدي وابن الزبير وسعيد بن جبير أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام، جمع ساق وعامر، وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير محذوف، والمعنى:
أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير، وإن لم ينتفعوا بها وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله، وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين، فأنكر الله عليهم ذلك، ثم صرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم فقال (لا يستوون عند الله) أي لا تساوى تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام هذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله، ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التي يدعيها المشركون: أي