تكرارا. قيل في الجواب: إن القلب أخص من الصدر، وقيل إن شفاء الصدور إشارة إلى الوعد بالفتح، ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيهما شفاء للصدر، وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح، وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها، ثم قال (ويتوب الله على من يشاء) وهو ابتداء كلام يتضمن الإخبار بما سيكون، وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح، فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم، وهذا على قراءة الرفع في يتوب، وهي قراءة الجمهور، وقرئ بنصب يتوب بإضمار أن، ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى. قرأ بذلك ابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي والأعرج.
فإن قيل: كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة؟ وأجيب بأن القتال قد يكون سببا لها إذا كانت من جهة الكفار، وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سببا لخلوص النية والتوبة عن الذنوب.
قوله (أم حسبتم أن تتركوا) أم هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل، والهمزة والاستفهام للتوبيخ، وحرف الإضراب للدلالة على الانتقال من كلام إلى آخر، والمعنى: كيف يقع الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه، وقوله " أن تتركوا " في موضع مفعولي الحسبان عند سيبويه. وقال المبرد: إنه حذف الثاني، والتقدير: أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب. وجملة (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) في محل نصب على الحال، والمراد من نفي العلم نفي المعلوم، والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركون ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص، وجملة (ولم يتخذوا) معطوفة على جاهدوا داخلة معه في حكم النفي واقعة في حيز الصلة، والوليجة من الولوج: وهو الدخول. ولج يلج ولوجا: إذا دخل.
فالوليجة: الدخيلة. قال أبو عبيدة: كل شئ أدخلته في شئ ليس منه فهو وليجة. قال أبان بن ثعلب.
فبئس الوليجة للهاربين * والمعتدين وأهل الريب وقال الفراء: الوليجة البطانة من المشركين، والمعنى واحد: أي كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم بأسراركم وتعلمونهم أموركم من دون الله (والله خبير بما تعملون) أي بجميع أعمالكم.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله (وإن نكثوا أيمانهم) قال: عهدهم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: يقول الله لنبيه وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم فقاتلهم إنهم أئمة الكفر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله أئمة الكفر قال: أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول من مكة. وأخرج ابن عساكر عن مالك بن أنس مثله. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس (فقاتلوا أئمة الكفر) قال: رؤوس قريش. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر قال: أبو سفيان بن حرب منهم. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنهم الديلم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة أنهم ذكروا عنده هذه الآية فقال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد.
وأخرج ابن مردويه عن علي نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن حذيفة قال: ما بقي من أهل هذه الآية إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد تخبروننا لا ندري فما بال هؤلاء الذين ينقرون بيوتنا ويسترقون أعلاقنا، قال: أولئك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده. والأولى أن الآية عامة في كل رؤساء الكفار من غير تقييد بزمن معين أو بطائفة معينة اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومما يفيد ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير بن