للموصول مع ما في حيزه وهم أهل التوراة والإنجيل. قوله (حتى يعطوا الجزية عن يد) الجزية وزنها فعلة من جزى يجزى: إذا كافأ عما أسدى إليه، فكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن، وقيل سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه: أي يقضوه، وهي في الشرع ما يعطيه المعاهد على عهده، و (عن يد) في محل نصب على الحال. والمعنى: عن يد مواتية غير ممتنعة وقيل معناه يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحدا، وقيل معناه: نقد غير نسيئة، وقيل عن قهر، وقيل معناه، عن إنعام منكم عليهم، لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم، وقيل معناه مذمومون. وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب. وقال الأوزاعي ومالك: إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائنا من كان، ويدخل في أهل الكتاب على القول الأول المجوس. قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم.
واختلف أهل العلم في مقدار الجزية، فقال عطاء: لا مقدار لها، وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه، وبه قال يحيى بن آدم وأبو عبيد وابن جرير إلا أنه قال: أقلها دينار وأكثرها لاحد له. وقال الشافعي: دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شئ، وبه قال أبو ثور. قال الشافعي: وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز، وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم. وقال مالك: إنها أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهما على أهل الورق، الغني والفقير سواء، ولو كان مجوسيا لا يزيد ولا ينقص، وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل: اثنا عشر وأربعة وعشرون وثمانية وأربعون والكلام في الجزية مقرر في مواطنه، والحق من هذه الأقوال قد قررناه في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا. قوله (وهم صاغرون) في محل نصب على الحال، والصغار الذل والمعنى: إن الذمي يعطى الجزية حال كونه صاغرا، قيل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم، والمتسلم قاعد. وبالجملة ينبغي للقابض للجزية أن يجعل المسلم لها حال قبضها صاغرا ذليلا.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله (إنما المشركون نجس) الآية قال: إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة. وقد روى مرفوعا من وجه آخر أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال:: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمكم. قال ابن كثير: تفرد به أحمد مرفوعا. والموقوف أصح. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون به، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت، قال المسلمون: فمن أين لنا الطعام؟ فأنزل الله (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) قال: فأنزل الله عليهم المطر، وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم. وأخرج ابن مردويه عنه قال: فأغناهم الله من فضله وأمرهم بقتال أهل الكتاب. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله (وإن خفتم عيلة) قال: الفاقة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله (فسوف يغنيكم الله من فضله) قال: بالجزية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الضحاك مثله. وأخرج نحوه عبد الرزاق عن قتادة. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله (إنما المشركون نجس) قال: قذر. وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال: من صافحهم فليتوضأ. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من صافح مشركا فليتوضأ أو ليغسل كفيه ". وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم