من قبل نفسك لا من قبلي، فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك. قوله (لئن بسطت إلى يدك لتقتلني) أي لأن قصدت قتلى، واللام هي الموطئة، و (ما أنا بباسط) جواب القسم ساد مسد جواب الشرط، وهذا استسلام للقتل من هابيل، كما ورد في الحديث إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم، وتلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية " قال مجاهد: كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفا وأن لا يمتنع ممن يريد قتله قال القرطبي: قال علماؤنا: وذلك مما يجوز ورود التعبد به، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا، وفى وجوب ذلك عليه خلاف. والأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر. وفى الحشوية قوم لا يجوزون للمصول عليه الدفع، واحتجوا بحديث أبي ذر، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة وكف اليد عند الشبهة على ما بيناه في كتاب التذكرة، انتهى كلام القرطبي. وحديث أبي ذر المشار إليه هو عند مسلم وأهل السنن إلا النسائي، وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك، قال: فإن لم أترك، قال: فأت من أنت منهم فكن فيهم، قال: فآخذ سلاحي؟ قال: إذن تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك " وفى معناه أحاديث عن جماعة من الصحابة سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وخباب بن الأرت وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى. قوله (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار) هذا تعليل لامتناعه من المقاتلة بعد التعليل الأول وهو (إني أخاف الله رب العالمين) اختلف المفسرون في المعنى فقيل: أراد هابيل إني أريد أن تبوء بالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصا على قتلك، وبإثمك الذي تحملته بسبب قتلي، وقيل المراد بإثمي الذي يختص بي بسبب سيأتي فيطرح عليك بسبب ظلمك لي وتبوء بإثمك في قتلي. وهذا يوافق معناه معنى ما ثبت في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم، فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه "، ومثله قوله تعالى - وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم - وقيل المعنى: إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك كما في قوله تعالى - في الأرض رواسي أن تميد بكم - أي أن لا تميد بكم. وقوله - يبين الله لكم أن تضلوا - أي أن لا تضلوا. وقال أكثر العلماء: إن المعنى (إني أريد أن تبوء بإثمي) أي بإثم قتلك لي (وإثمك) الذي قد صار عليك بذنوبك من قبل قتلي. قال الثعلبي: هذا قول عامة المفسرين وقيل هو على وجه الإنكار: أي أو إني أريد على وجه الإنكار كقوله تعالى - وتلك نعمة - أي أو تلك نعمة. قاله القشيري. ووجهه بأن إرادة القتل معصية. وسئل أبو الحسن بن كيسان كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار؟ فقال: وقعت الإرادة بعد ما بسط يده إليه بالقتل، وهذا بعيد جدا، وكذلك الذي قبله. وأصل باء رجع إلى المباءة، وهي المنزل - وباءوا بغضب من الله - أي رجعوا. قوله (فطوعت له نفسه قتل أخيه) أي سهلت نفسه عليه الأمر وشجعته وصورت له أن قتل أخيه طوع يده سهل عليه، يقال تطوع الشئ: أي سهل وانقاد وطوعه فلان له: أي سهله. قال الهروي: طوعت وطاوعت واحد، يقال طاع له كذا: إذا أتاه طوعا، وفى ذكر تطويع نفسه له بعد ما تقدم من قول قابيل (لأقتلنك) وقول هابيل (لتقتلني) دليل على أن التطويع لم يكن قد حصل له عند تلك المقاولة. قوله (فقتله). قال ابن جرير ومجاهد وغيرهما: روى أنه جهل كيف يقتل أخاه فجاءه إبليس بطائر أو حيوان غيره. فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدى به قابيل ففعل، وقيل غير ذلك مما يحتاج إلى تصحيح الرواية. قوله (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه) قيل إنه لما
(٣١)