بها أتم قيام (لله) أي لأجله تعظيما لأمره وطمعا في ثوابه. والقسط: العدل. وقد تقدم الكلام على قوله (يجرمنكم) مستوفى: أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل وكتم الشهادة (اعدلوا هو) أي العدل المدلول عليه بقوله اعدلوا (أقرب للتقوى) التي أمرتم بها غير مرة: أي أقرب لأن تتقوا الله، أو لأن تتقوا النار. قوله (لهم مغفرة وأجر عظيم) هذه الجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني لقوله (وعد) على معنى وعدهم أن لهم مغفرة، أو وعدهم مغفرة فوقعت الجملة موقع المفرد فأغنت عنه، ومثله قول الشاعر:
وجدنا الصالحين لهم جزاء * وجنات وعينا سلسبيلا قوله (أصحاب الجحيم) أي ملابسوها. قوله (إذ هم قوم) ظرف لقوله (اذكروا) أو للنعمة أو لمحذوف وقع حالا منها (أن يبسطوا) أي بأن يبسطوا. وقوله (فكف) معطوف على قوله (هم) وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية، وبه يتضح المعنى.
وقد أخرج ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس في قوله (إذ قلتم سمعنا وأطعنا) يعنى حين بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل عليه الكتاب قالوا آمنا بالنبي والكتاب وأقررنا بما في التوراة، فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال:
النعم الآلاء، وميثاقه الذي واثقهم به قال الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام. وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) الآية. قال: نزلت في يهود خيبر، ذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستفتيهم في دية فهموا أن يقتلوه، فذلك قوله (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا) الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلاحه بشجرة، فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
من يمنعك مني؟ قال: الله، قال الأعرابي: مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
الله، فسام الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه. قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا. ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي، ويتأول (اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم) الآية. وأخرج الحاكم وصححه عنه بنحوه، وذكر أن اسم الرجل غورث بن الحارث، وأنه لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الله " سقط السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: من يمنعك منى؟ قال: كن خير آخذ، قال: فشهد أن لا إله إلا الله. وأخرجه أيضا ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عنه.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس: أن بني النضير هموا أن يطرحوا حجرا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه، فجاء جبريل فأخبره بما هموا. فقام ومن معه. فنزلت (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم) الآية، وروى نحو هذا من طرق عن غيره، وقصة الأعرابي وهو غورث المذكور ثابتة في الصحيح.