القصاص. قوله (فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) هذا تصريح بما هو مفهوم من الجملة التي قبل هذه الجملة لبيان أن امتناعهم من الدخول ليس إلا لهذا السبب. قوله (قال رجلان) هما يوشع وكالب بن يوفنا أو ابن فانيا، وكانا من الاثني عشر نقيبا كما مر بيان ذلك. وقوله (من الذين يخافون) أي يخافون من الله عز وجل، وقيل من الجبارين أي هذان الرجلان من جملة القوم الذين يخافون من الجبارين، وقيل من الذين يخافون ضعف بني إسرائيل وجبنهم وقيل إن الواو في (يخافون) لبني إسرائيل: أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير " يخافون " بضم الياء: أي يخافهم غيرهم. قوله (أنعم الله عليهما) في محل رفع على أنه صفة ثانية لرجلان، بالإيمان واليقين بحصول ما وعدوا به من النصر والظفر (ادخلوا عليهم الباب) أي باب بلد الجبارين (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) قالا هذه المقالة لبني إسرائيل. والظاهر أنهما قد علما بذلك من خبر موسى، أو قالاه ثقة بوعد الله، أو كانا قد عرفا أن الجبارين قد ملئت قلوبهم خوفا ورعبا (قالوا) أي بنو إسرائيل لموسى (إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها) وكان هذا القول منهم فشلا وجبنا أو عنادا وجرءة على الله، وعلى رسوله (فاذهب أنت وربك فقاتلا) قالوا هذا جهلا بالله عز وجل وبصفاته وكفرا بما يجب له، أو استهانة بالله ورسوله، وقيل أرادوا بالذهاب الإرادة والقصد، وقيل أرادوا بالرب هارون، وكان أكبر من موسى، وكان موسى يطيعه (إنا هاهنا قاعدون) أي لا نبرح هاهنا لا نتقدم معك ولا نتأخر عن هذا الموضع، وقيل أرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر (قال) موسى (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) يحتمل أن يعطف وأخي على نفسي، وأن يعطف على الضمير في (إني) أي إني لا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه، قال هذا تحسرا وتحزنا واستجلابا للنصر من الله عز وجل (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) أي افصل بيننا: يعنى نفسه وأخاه وبين القوم الفاسقين وميزنا عن جملتهم ولا تلحقنا بهم في العقوبة، وقيل المعنى: فاقض بيننا وبينهم، وقيل إنما أراد في الآخرة وقرأ عبيد بن عمير (فافرق) بكسر الراء (قال فإنها) أي الأرض المقدسة (محرمة عليهم) أي على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين (أربعين سنة) ظرف للتحريم: أي أنه محرم عليهم دخولها هذه المدة لا زيادة عليها، فلا يخالف هذا التحريم ما تقدم من قوله (التي كتب الله لكم) فإنها مكتوبة لمن بقى منهم بعد هذه المدة، وقيل إنه لم يدخلها أحد ممن قال (إنا لن ندخلها) فيكون توقيت التحريم بهذه المدة باعتبار ذراريهم، وقيل إن (أربعين سنة) ظرف لقوله (يتيهون في الأرض) أي يتيهون هذا المقدار فيكون التحريم مطلقا. والموقت: هو التيه، وهو في اللغة الحيرة، يقال منه تاه يتيه تيها أو توها إذا تحير، فالمعنى: يتحيرون في الأرض، قيل إن هذه الأرض التي تاهوا فيها كانت صغيرة نحو ستة فراسخ كانوا يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا، وكانوا سيارة مستمرين على ذلك لاقرار لهم.
واختلف أهل العلم هل كان معهم موسى وهارون أم لا؟ فقيل لم يكونا معهم، لأن التيه عقوبة، وقيل كانا معهم لكن سهل الله عليهما ذلك كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم. وقد قيل كيف يقع هذا لجماعة من العقلاء في مثل هذه الأرض اليسيرة في هذه المدة الطويلة؟ قال أبو علي: يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هم عليها إذا ناموا إلى المكان الذي ابتدأوا منه. وقد يكون بغير ذلك من الأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارقة للعادة.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله (وجعلكم ملوكا) قال:
ملكهم الخدم، وكانوا أول من ملك الخدم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه