فلم يرتفع، وناقة دكاء: لا سنام لها (وخر موسى صعقا) أي مغشيا عليه مأخوذا من الصاعقة: والمعنى: أنه صار حاله لما غشي عليه كحال من يغشى عليه عند إصابة الصاعقة له. يقال صعق الرجل فهو صعق ومصعوق: إذا أصابته الصاعقة (فلما أفاق) من غشيته (قال سبحانك) أي أنزهك تنزيها من أن أسأل شيئا لم تأذن لي به (تبت إليك) عن العود إلى مثل هذا السؤال. قال القرطبي: وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية فإن الأنبياء معصومون، وقيل هي توبة من قتله للقبطي، ذكره القشيري، ولا وجه له في مثل هذا المقام (وأنا أول المؤمنين) بك قبل قومي الموجودين في هذا العصر المعترفين بعظمتك وجلالك، وجملة (قال يا موسى) مستأنفة كالتي قبلها متضمنة لاكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به. والاصطفاء: الاجتباء والاختيار: أي اخترتك على الناس المعاصرين لك برسالتي كذا قرأ نافع وابن كثير بالإفراد، وقرأ الباقون بالجمع. والرسالة مصدر، والأصل فيه الإفراد، ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هي على ضروب فجمع لاختلاف الأنواع، والمراد بالكلام هنا:
التكليم. أمتن الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام، وهما الرسالة والتكليم من غير واسطة ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه: أي أعطاه من هذا الشرف الكريم، وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم والإكرام الجليل. قوله (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) من كل شئ: أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم، وهذه الألواح: هي التوراة، قيل كانت من زمردة خضراء، وقيل من ياقوتة حمراء، وقيل من زبرجد، وقيل من صخرة صماء. وقد اختلف في عدد الألواح وفى مقدار طولها وعرضها، والألواح: جمع لوح، وسمى لوحا لكونه تلوح فيه المعاني، وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفا للمكتوب في الألواح، وهي مكتوبة بأمره سبحانه، وقيل هي كتابة خلقها الله في الألواح، و (من كل شئ) في محل نصب على أنه مفعول (كتبنا) و (موعظة وتفصيلا) بدل من محل كل شئ أي موعظة لمن يتعظ بها من بني إسرائيل وغيرهم وتفصيلا للأحكام المحتاجة إلى التفصيل (فخذها بقوة) أي خذ الألواح بقوة: أي بجد ونشاط وقيل الضمير عائد إلى الرسالات، أو إلى كل شئ، أو إلى التوراة، قيل وهذا الأمر على إضمار القول: أي فقلنا له خذها، وقيل إن (فخذها) بدل من قوله (فخذ ما آتيتك) (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره، وهو مثل قوله تعالى - اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم -، وقوله - فيتبعون أحسنه -، ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه والعمل بالعزيمة دون الرخصة، وبالفريضة دون النافلة، وفعل المأمور به، وترك المنهي عنه. قوله (سأوريكم دار الفاسقين) قيل هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه وقيل منازل عاد وثمود، وقيل هي جهنم، وقيل منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها، وقيل الدار:
الهلاك. والمعنى: سأريكم هلاك الفاسقين. وقد تقدم تحقيق معنى الفسق. قوله (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) قيل معنى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون) سأمنعهم فهم كتابي، وقيل سأصرفهم عن الإيمان بها، وقيل سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله - فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم -، وقيل سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها.
واختلف في تفسير الآيات فقيل هي المعجزات، وقيل الكتب المنزلة، وقيل هي خلق السماوات والأرض وصرفهم عنها أن لا يعتبروا بها، ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة و (بغير الحق) إما متعلق بقوله (يتكبرون) أي يتكبرون بما ليس بحق، أو بمحذوف وقع حالا: أي يتكبرون متلبسين بغير الحق. قوله (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) معطوف على " يتكبرون " منتظم معه في حكم الصلة. والمعنى