والاستفهام في قوله (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) للجحد: أي ليست ممن يفعل ذلك، قاله ثقة منه برحمة الله، والمقصود منه الاستعطاف والتضرع، وقيل معناه الدعاء والطلب: أي لا تهلكنا. قال المبرد: المراد بالاستفهام استفهام الإعظام كأنه يقول: وقد علم موسى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره، ولكنه كقول عيسى - إن تعذبهم فإنهم عبادك -، وقيل المراد بالسفهاء: السبعون، والمعنى: أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم أرنا الله جهرة -، وقيل المراد بهم: السامري وأصحابه. قوله (إن هي إلا فتنتك) أي ما الفتنة التي وقع فيها هؤلاء السفهاء إلا فتنتك التي تختبر بها من شئت وتمتحن بها من أردت، ولعله عليه السلام استفاد هذا من قوله سبحانه - إنا قد فتنا قومك من بعدك - (تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء) أي تضل بهذه الفتنة من تشاء من عبادك وتهدى بها من تشاء منهم، ومثله - ليبلوكم أيكم أحسن عملا -. ثم رجع إلا الاستعطاف والدعاء فقال (أنت ولينا) أي المتولي لأمورنا (فاغفر لنا) ما أذنبناه (وارحمنا) برحمتك التي وسعت كل شئ (وأنت خير الغافرين) للذنوب (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة) بتوفيقنا للأعمال الصالحة، أو تفضل علينا بإفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية وسعة الرزق (وفى الآخرة) أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به أو بما تتفضل به علينا من النعيم في الآخرة، وجملة (إنا هدنا إليك) تعليل لما قبلها من سؤال المغفرة والرحمة والحسنة في الدنيا وفى الآخرة أي إنا تبنا إليك ورجعنا عن الغواية التي وقعت من بني إسرائيل. والهود: التوبة. وقد تقدم في البقرة، وجملة (قال عذابي أصيب به من أشاء) مستأنفة كنظائرها فيما تقدم، قيل المراد بالعذاب هنا: الرجفة: وقيل: أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم: أي ليس هذا إليك يا موسى، بل ما شئت كان، وما لم أشأ لم يكن. والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولا أوليا، وقيل المراد من أشاء من المستحقين للعذاب أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق (ورحمتي وسعت كل شئ) من الأشياء من المكلفين وغيرهم، ثم أخبر سبحانه أنه سيكتب هذه الرحمة الواسعة (للذين يتقون) الذنوب (ويؤتون الزكاة) المفروضة عليهم (والذين هم بآياتنا يؤمنون) أي يصدقون بها ويذعنون لها، ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) وهو محمد عليه الصلاة السلام، فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل. والأمي: إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب: وهم العرب، أو نسبة إلى الأم والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وقيل نسبة إلى أم القرى، وهي مكة (الذي يجدونه) يعني اليهود والنصارى: أي يجدون نعته (مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) وهما مرجعهم في الدين، وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى هو قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون، ثم وصف هذا النبي الذي يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف: أي بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره من الأشياء التي هي من مكارم الأخلاق (وينهاهم عن المنكر) أي ما تنكره القلوب ولا تعرفه، وهو ما كان من مساوئ الأخلاق، قيل إن قوله (يأمرهم بالمعروف) إلى قوله (أولئك هم المفلحون) كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التي وعد بها ذكر معناه الزجاج.
وقيل هو في محل نصب على الحال من النبي، وقيل هو مفسر لقوله (مكتوبا) قوله (يحل لهم الطيبات) أي المستلذات وقيل يحل لهم ما حرم عليهم من الأشياء التي حرمت عليهم بسبب ذنوبهم (ويحرم عليهم الخبائث) أي المستخبئات كالحشرات والخنازير (ويضع عنهم إصرهم) الإصر الثقل: أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة. وقد تقدم بيانه في البقرة (والأغلال التي كانت عليهم) أي ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم: الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التي كانوا قد كلفوها (فالذين آمنوا به) أي بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (واتبعوه) فيما