موضع نصب، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره: ولا كراهة أن تكونا ملكين هكذا قال البصريون. وقال الكوفيون: التقدير لئلا تكونا ملكين (أو تكونا من الخالدين) في الجنة أو من الذين لا يموتون. قال النحاس:
فضل الله الملائكة على جميع الخلق في غير موضع في القرآن، فمنها هذا، ومنها - ولا أقول إني ملك -، ومنها - ولا الملائكة المقربون -. قال ابن فورك: لا حجة في هذه الآية، لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام.
وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافا كثيرا وأطالوا الكلام في غير طائل، وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه، فالكلام فيها لا يعنينا. وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحاك " ملكين " بكسر اللام، وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال: لم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين. وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى -. قال أبو عبيد: هذه حجة بينة لقراءة الكسر ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها. قال النحاس: هي قراءة شاذة، وأنكر على أبي عبيد هذا الكلام وجعله من الخطأ الفاحش. قال وهل يجوز أن يتوهم على آدم عليم السلام أن يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهي غاية الطالبين، وإنما معنى - وملك لا يبلى - المقام في ملك الجنة والخلود فيه. قوله (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) أي حلف لهما فقال: أقسم قساما أي حلف، ومنه قول الشاعر:
وقاسمهما بالله جهدا لأنتما * ألذ من السلوى ما إذا نشورها وصيغة المفاعلة وإن كانت في الأصل تدل على المشاركة فقد جاءت كثيرا لغير ذلك. وقد قدمنا تحقيق هذا في المائدة، والمراد بها هنا المبالغة في صدور الأقسام لهما من إبليس، وقيل إنهما أقسما له بالقبول كما أقسم لهما على المناصحة. قوله (فدلاهما بغرور) التدلية والإدلاء: إرسال الشئ من أعلى إلى أسفل، يقال أدلي دلوه: أرسلها والمعنى: أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة، وقيل معناه: أوقعهما في الهلاك، وقيل خدعهما، وأنشد نفطويه:
إن الكريم إذا تشاء خدعته * وترى اللئيم مجربا لا يخدع وقيل معنى (دلاهما) دللهما من الدالة، وهي الجرأة: أي جرأهما على المعصية فخرجا من الجنة. قوله (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما) أي لما طعماها ظهرت لهما عوراتهما بسبب زوال ما كان ساترا لها وهو تقلص النور الذي كان عليها. وقد تقدم في البقرة. قوله (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) طفق يفعل كذا: بمعنى شرع بفعل كذا. وحكى الأخفش: طفق يطفق مثل ضرب يضرب: أي شرعا أو جعلا يخصفان عليهما. قرأ الحسن " يخصفان " بكسر الخاء وتشديد الصاد، والأصل يختصفان فأدغم وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن بريدة ويعقوب بفتح الخاء. وقرأ الزهري " يخصفان " من أخصف. وقرأ الجمهور " يخصفان " من خصف.
والمعنى: أنهما أخذا يقطعان الورق ويلزقانه بعورتهما ليستراها، من خصف النعل: إذا جعله طبقة فوق طبقة (وناداهما ربهما) قائلا لهما (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) التي نهيتكما عن أكلها، وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ حيث لم يحذرا ما حذرهما منه (وأقل لكما) معطوف على " أنهكما " (إن الشيطان لكما عدو مبين) أي مظهر للعداوة قوله (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) جملة استئنافية مبنية على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قالا؟ وهذا منهما اعتراف بالذنب وأنهما ظلما أنفسهما مما وقع منهما من المخالفة، ثم قالا (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، وجملة (قال اهبطوا) استئناف كالتي قبلها، والخطاب لآدم وحواء وذريتهما، أو لهما ولإبليس، وجملة (بعضكم