للمبالغة في انتفاء التأخر بنظمه في سلك المستحيل عقلا، وقيل المراد بالمجئ الدنو بحيث يمكن التقدم في الجملة كمجئ اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك. وقرأ ابن سيرين (آجالهم) بالجمع. وخص الساعة بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات. وقد استدل بالآية الجمهور على أن كل ميت يموت بأجله وإن كان موته بالقتل أو التردي أو نحو ذلك، والبحث في ذلك طويل جدا، ومثل هذه الآية قوله تعالى - ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون -. قوله (يا بني آدم إما يأتينكم) الآية، إن هي الشرطية وما زائدة للتوكيد، ولهذا لزمت الفعل النون المؤكدة، والقصص قد تقدم معناه، والمعنى: إن أتاكم رسل كائنون منكم يخبرونكم بأحكامي ويبينونها لكم (فمن اتقى وأصلح) أي اتقى معاصي الله وأصلح حال نفسه باتباع الرسل، وإجابتهم (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وهذه الجملة الشرطية هي الجواب للشرط الأول، وقيل جوابه ما دل عليه الكلام: أي إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فأطيعوهم. والأول أولى، وبه قال الزجاج (والذين كذبوا بآياتنا) التي يقصها عليهم رسلنا (واستكبروا) عن إجابتها والعمل بما فيها (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لا يخرجون منها بسبب كفرهم بتكذيب الآيات والرسل (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته) أي لا أحد أظلم منه. وقد تقدم تحقيقه، والإشارة بقوله (أولئك) إلى المكذبين المستكبرين (ينالهم نصيبهم من الكتاب) أي مما كتب الله لهم من خير وشر، وقيل ينالهم من العذاب بقدر كفرهم، وقيل الكتاب هنا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيه، وقيل هو اللوح المحفوظ. قوله (حتى إذا جاءتهم رسلنا) أي إلى غاية هي هذه، وجملة (يتوفونهم) في محل نصب على الحال. والمراد بالرسل هنا ملك الموت وأعوانه، وقيل حتى هنا هي التي للابتداء، ولكن لا يخفى أن كونها لابتداء الكلام بعدها لا ينافي كونها غاية لما قبلها، والاستفهام في قوله (أين ما كنتم تدعون من دون الله) للتقريع والتوبيخ: أي أين الآلهة التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها، وجملة (قالوا ضلوا عنا) استئنافية بتقدير سؤال وقعت هي جوابا عنه: أي ذهبوا عنا وغابوا فلا ندري أين هم؟ (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) أي أقروا بالكفر على أنفسهم. قوله (قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم) القائل هو الله عز وجل، " وفي " بمعنى مع: أي مع أمم، وقيل هي على بابها، والمعنى: ادخلوا في جملتهم، وقيل هو قول مالك خازن النار، والمراد بالأمم التي قد خلت من قبلهم من الجن والإنس هم الكفار من الطائفتين من الأمم الماضية (كلما دخلت أمة) من الأمم الماضية (لعنت أختها) أي الأمة الأخرى التي سبقتها إلى النار، وجعلت أختا لها باعتبار الدين، أو الضلالة، أو الكون في النار (حتى إذا اداركوا فيها) أي تداركوا، والتدارك: التلاحق والتتابع والاجتماع في النار. وقرأ الأعمش " تداركوا " على الأصل من دون إدغام. وقرأ ابن مسعود (حتى إذا أدركوا) أي أدرك بعضهم بعضا. وروى عن أبي عمرو أنه قرأ بقطع ألف الوصل، فكأنه سكت على إذا للتذكر. فلما طال سكوته قطع ألف الوصل كالمبتدئ بها، وهو مثل قول الشاعر:
يا نفس صبرا كل حي لاقى * وكل اثنين إلى افتراق (قالت أخراهم لأولاهم): أي أخراهم دخولا لأولاهم دخولا، وقيل أخراهم: أي سفلتهم وأتباعهم (لأولاهم) لرؤسائهم وكبارهم وهذا أول كما يدل عليه (ربنا هؤلاء أضلونا) فإن المضلين هم الرؤساء. ويجوز أن يراد أنهم أضلوهم لأنهم تبعوهم واقتدوا بدينهم من بعدهم، فيصح الوجه الأول، لأن أخراهم تبعت دين أولاهم قوله (فآتهم عذابا ضعفا من النار) الضعف الزائد على مثله مرة أو مرات، ومثله قوله تعالى (ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا) وقيل الضعف هنا الأفاعي والحيات. وجملة (قال لكل ضعف) استئنافية جوابا