قرأ حمزة والكسائي " فارقوا دينهم " وهي قراءة علي بن أبي طالب: أي تركوا دينهم وخرجوا عنه. وقرأ الباقون فرقوا بالتشديد إلا النخعي فإنه قرأ بالتخفيف. والمعنى: أنهم جعلوا دينهم متفرقا فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه قيل المراد بهم اليهود والنصارى. وقد ورد في معنى هذا، في اليهود قوله تعالى - وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة -، وقيل المراد بهم المشركون عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة، وقيل الآية عامة في جميع الكفار وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله، وهذا هو الصواب لأن اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب وطوائف المشركين وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام، ومعنى شيعا فرقا وأحزابا، فتصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين واحدا مجتمعا، ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم يخالف الصواب ويباين الحق (لست منهم في شئ) أي لست من تفرقهم، أو من السؤال عن سبب تفرقهم والبحث عن موجب تحزبهم في شئ من الأشياء فلا يلزمك من ذلك شئ ولا تخاطب به إنما عليك البلاغ، وهو مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من غشنا فليس منا " أي نحن برآء منه، وموضع (في شئ) نصب على الحال. قال الفراء: هو على حذف مضاف: أي لست من عقابهم في شئ، وإنما عليك الإنذار، ثم سلاه الله تعالى بقوله (إنما أمرهم إلى الله) فهو مجاز لهم بما تقتضيه مشيئته والحصر، بإنما هو في حكم التعليل لما قبله والتأكيد له (ثم) هو يوم القيامة (ينبئهم) أي يخبرهم بما ينزله بهم من المجازاة (بما كانوا يعملون) ه من الأعمال التي تخالف ما شرعه الله لهم وأوجبه عليهم، وهذه الآية من جملة ما هو منسوخ بآية السيف. قوله (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) لما توعد سبحانه المخالفين له بما توعد بين عقب ذلك مقدار جزاء العاملين بما أمرهم به الممتثلين لما شرعه لهم بأن من جاء بحسنة واحدة من الحسنات فله من الجزاء عشر حسنات، والتقدير: فله عشر حسنات أمثالها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف. قال أبو علي الفارسي: حسن التأنيث في عشر أمثالها لما كان الأمثال مضافا إلى مؤنث، نحو ذهبت بعض أصابعه. وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش (فله عشر أمثالها) برفعهما.
وقد ثبت هذا التضعيف في السنة بأحاديث كثيرة، وهذا التضعيف هو أقل ما يستحقه عامل الحسنة. وقد وردت الزيادة على هذا عموما وخصوصا، ففي القرآن كقوله - كمثل حبة أنبتت سبع سنابل -. وورد في بعض الحسنات أن فاعلها يجازى عليها بغير حساب، وورد في السنة المطهرة تضعيف الجزاء إلى ألوف مؤلفة. وقد قدمنا تحقيق هذا في موضعين من هذا التفسير فليرجع إليهما (ومن جاء بالسيئة) من الأعمال السيئة (فلا يجزى إلا مثلها) من دون زيادة عليها على قدرها في الخفة والعظم، فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده في النار، وفاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها مما ورد تقديره من العقوبات كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرحة بأن من عمل كذا فعليه كذا، وما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب فعلينا أن نقول يجازيه الله بمثله وإن لم نقف على حقيقة ما يجازى به، وهذا إن لم يتب، أما إذا تاب أو غلبت حسناته سيئاته أو تغمده الله برحمته وتفضل عليه بمغفرته فلا مجازاة، وأدلة الكتاب والسنة مصرحة بهذا تصريحا لا يبقى بعده ريب لمرتاب، (وهم) أي من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة (لا يظلمون) بنقص ثواب حسنات المحسنين ولا بزيادة عقوبات المسيئين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اختلفت اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتفرقوا، فلما بعث محمد أنزل عليه (إن الذين فرقوا دينهم) الآية. وأخرج النحاس عنه في ناسخه (إن الذين فرقوا دينهم) قال: اليهود والنصارى تركوا الإسلام والدين الذي أمروا به (وكانوا شيعا) فرقا أحزابا مختلفة (لست منهم في شئ) نزلت بمكة ثم نسخها - قاتلوا المشركين -. وأخرج أبو الشيخ عنه (وكانوا شيعا)