أسفل منه، ثم كثروا نسع فيه حتى عم. قوله (أتل ما حرم ربكم) أتل جواب الأمر، وما موصولة في محل نصب به: أي أتل الذي حرمه ربكم عليكم. والمراد من تلاوة ما حرم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه، ويجوز أن تكون ما مصدرية: أي أتل تحريم ربكم. والمعنى: ما اشتمل على التحريم، قيل ويجوز أن تكون ما استفهامية أي أتل أي شئ حرم ربكم على جعل التلاوة بمعنى القول، وهو ضعيف جدا، وعليكم أن تعلق بأتل، فالمعنى:
أتل عليكم الذي حرم ربكم، وإن تعلق بحرم فالمعنى أتل الذي حرم ربكم عليكم، وهذا أولى، لأن المقام مقام بيان ما هو محرم عليكم لا مقام بيان ما هو محرم مطلقا، وقيل إن عليكم للإغراء ولا تعلق لها بما قبلها. والمعنى عليكم أن لا تشركوا إلى آخره: أي الزموا ذلك كقوله تعالى - عليكم أنفسكم - وهو أضعف مما قبله، وأن في (أن لا تشركوا) مفسرة لفعل التلاوة، وقال النحاس: يجوز أن تكون في موضع نصب بدلا من ما: أي أتل عليكم تحريم الإشراك، وقيل يجوز أن يكون في محل رفع بتقدير مبتدأ: أي المتلو أن لا تشركوا، وشيئا مفعول أو مصدر أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء، أو شيئا من الإشراك. قوله (وبالوالدين إحسانا) أي أحسنوا بهما إحسانا، والإحسان إليهما البر بهما، وامتثال أمرهما ونهيهما. وقد تقدم الكلام على هذا. قوله (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) لما ذكر حق الوالدين على الأولاد، ذكر حق الأولاد على الوالدين، وهو أن لا يقتلوهم من أجل إملاق.
والإملاق الفقر، فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكر والإناث خشية الإملاق وتفعله بالإناث خاصة خشية العار، وحكى النقاش عن مؤرج أن الإملاق الجوع بلغة لخم، وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق. يقال أملق ماله: بمعنى أنفقه. والمعنى الأول هو الذي أطبق عليه أئمة اللغة، وأئمة التفسير ها هنا (ولا تقربوا الفواحش) أي المعاصي، ومنه - ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة - وما في (ما ظهر) بدل من الفواحش، وكذا ما بطن. والمراد بما ظهر ما أعلن به منها، وما بطن: ما أسر. وقد تقدم (ولا تقتلوا النفس) اللام في النفس للجنس، و (التي حرم الله) صفة للنفس: أي لا تقتلوا شيئا من الأنفس التي حرمها الله (إلا بالحق) أي إلا بما يوجبه الحق، والاستثناء مفرغ: أي لا تقتلوه في حال من الأحوال إلا في حال الحق، أو لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، ومن الحق قتلها قصاصا وقتلها بسبب زنا المحصن، وقتلها بسبب الردة، ونحو ذلك من الأسباب التي ورد الشرع بها، والإشارة بقوله (ذلكم) إلى ما تقدم مما تلاه عليهم، وهو مبتدأ (ووصاكم به) خبره: أي أمركم به، وأوجبه عليكم (ولا تقربوا مال اليتيم) أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه (إلا ب) الخصلة (التي هي أحسن) من غيرها، وهي ما فيه صلاحه وحفظه وتنميته، فيشمل كل وجه من الوجوه التي فيها نفع لليتيم وزيادة في ماله، وقيل المراد بالتي هي أحسن التجارة (حتى يبلغ أشده) أي إلى غاية هي أن يبلغ اليتيم أشده، فإن بلغ ذلك فادفعوا إليه ماله، كما قال تعالى - فإن آنستم منه رشدا - فادفعوا إليهم أموالهم.
واختلف أهل العلم في الأشد، فقال أهل المدينة: بلوغه وإيناس رشده. وقال أبو حنيفة: خمس وعشرون سنة. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو البلوغ. وقيل إنه انتهاء الكهولة، ومنه قول سحيم الرباحي:
أخو الخمسين مجتمع أشدى * وبحديثي مداورة الشؤون والأولى في تحقيق بلوغ الأشد أنه البلوغ إلى سن التكليف مع إيناس الرشد، وهو أن يكون في تصرفاته بما له سالكا مسلك العقلاء، لا مسلك أهل السفه والتبذير، ويدل على هذا قوله تعالى في سورة النساء - وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم - فجعل بلوغ النكاح، وهو بلوغ سن التكليف مقيدا بإيناس الرشد، ولعله قد سبق هنالك كلام في هذا، والأشد واحد لا جمع له، وقيل واحدة شد كفلس وأفلس