قوله (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة) أي لا يؤمنون ولو نزلنا إليهم الملائكة كما اقترحوا بقولهم - لولا أنزل عليه ملك - (وكلمهم الموتى) الذين يعرفونهم بعد إحيائنا لهم، فقالوا لهم إن هذا النبي صادق مرسل من عند الله فآمنوا به لم يؤمنوا (وحشرنا عليهم كل شئ) مما سألوه من الآيات (قبلا) أي كفلا وضمنا بما جئناهم به من الآيات البينات. هذا على قراءة من قرأ قبلا بضم القاف وهم الجمهور. وقرأ نافع وابن عامر قبلا بكسرها: أي مقابلة.
وقال محمد بن يزيد المبرد: قبلا بمعنى ناحية كما تقول لي قبل فلان مال، فقبلا نصب على الظرف، وعلى المعنى الأول ورد قوله تعالى - أو تأتي بالله والملائكة قبيلا - أي يضمنون كذا قال الفراء. وقال الأخفش: هو بمعنى قبيل قبيل: أي جماعة جماعة. وحكى أبو زيد لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا كله واحد بمعنى المواجهة، فيكون على هذا الضم كالكسر وتستوي القراءتان. والحشر: الجمع (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) إيمانهم، فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والاستثناء مفرغ (ولكن أكثرهم يجهلون) جهلا يحول بينهم وبين درك الحق والوصول إلى الصواب. قوله (وكذلك جعلنا لكل نبي) هذا الكلام لتسلية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفع ما حصل معه من الحزن بعدم إيمانهم: أي مثل هذا الجعل (جعلنا لكل نبي عدوا) والمعنى: كما ابتليناك بهؤلاء فقد ابتلينا الأنبياء من قبلك بقوم من الكفار، فجعلنا لكل واحد منهم عدوا من كفار زمنهم، و (شياطين الإنس والجن) بدل من عدوا، وقيل هو المفعول الثاني لجعلنا. وقرأ الأعمش الجن والإنس بتقديم الجن، والمراد بالشياطين المردة من الفريقين، والإضافة بيانية أو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأصل الإنس والجن الشياطين، وجملة (يوحى بعضهم إلى بعض) في محل نصب على الحال: أي حال كونه يوسوس بعضهم لبعض، وقيل إن الجملة مستأنفة لبيان حال العدو، وسمى وحيا لأنه إنما يكون خفية بينهم، وجعل تمويههم زخرف القول لتزيينهم إياه، والمزخرف: المزين، وزخارف الماء طرائقه، و (غرورا) منتصب على المصدر، لأن معنى يوحى بعضهم إلى بعض يغرونهم بذلك غرورا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولا له، والغرور: الباطل. قوله (ولو شاء ربك ما فعلوه) الضمير يرجع إلى ما ذكر سابقا من الأمور التي جرت من الكفار في زمنه وزمن الأنبياء قبله: أي لو شاء ربك عدم وقوع ما تقدم ذكره ما فعلوه وأوقعوه، وقيل ما فعلوا الإيحاء المدلول عليه بالفعل (فذرهم) أي اتركهم، وهذا الأمر للتهديد للكفار كقوله - ذرني ومن خلقت وحيدا - (وما يفترون) إن كانت ما مصدرية فالتقدير: اتركهم وافتراءهم، وإن كانت موصولة فالتقدير: اتركهم والذي يفترونه. قوله (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) اللام في لتصغى لام كي، فتكون علة كقوله (يوحى) والتقدير: يوحى بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغى، وقيل هو متعلق بمحذوف يقدر متأخرا: أي لتصغى (جعلنا لكل نبي عدوا) وقيل إن اللام للأمر وهو غلط، فإنها لو كانت لام الأمر جزمت الفعل، والإصغاء:
الميل، يقال صغوت أصغو صغوا، وصغيت أصغى، ويقال صغيت بالكسر، ويقال أصغيت الإناء: إذا أملته ليجتمع ما فيه، وأصله الميل إلى الشئ لغرض من الأغراض، ويقال صغت النجوم: إذا مالت للغروب، وأصغت الناقة: إذا أمالت رأسها، ومنه قول ذي الرمة:
تصغي إذا شدها بالكور جانحة * حتى إذا ما استوى في غرزها وثبت والضمير في إليه لزخرف فإن القول، أو لما ذكر سابقا من زخرف القول وغيره: أي أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغروهم (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) من الكفار (وليرضوه) لأنفسهم بعد الإصغاء إليه (وليقترفوا ما هم مقترفون) من الآثام، والاقتراف: الاكتساب، يقال خرج ليقترف لأهله: أي