وفي هذه الآية دلالة على فساد التقليد، وأنه لا يجوز العمل في شئ من أمور الدين إلا بحجة، وفي هذه الآية دلالة أيضا على وجوب المعرفة، وأنها ليست بضرورية على ما قاله أصحاب المعارف، فإنه سبحانه بين الحجاج عليهم فيها، ليعرفوا صحة ما دعاهم الرسول إليه، ولو كانوا يعرفون الحق ضرورة، لم يكونوا مقلدين لآبائهم، ونفى سبحانه عنهم الاهتداء والعلم معا، لان بينهما فرقا، فإن الاهتداء لا يكون إلا عن حجة وبيان، والعلم قد يكون ابتداء عن ضرورة.
(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون [105] القراءة: روي في الشواذ عن الحسن: (لا يضركم)، وعن إبراهيم: (لا يضركم).
الحجة: وفي ذلك أربع لغات: ضاره يضوره، وضاره يضيره، وضره يضره (1) وهي عربية أعني يفعل في المضاعف. متعدية، وإنما جزم يضركم ويضركم، لأنه جواب الامر، وهو قوله (عليكم أنفسكم) ويجوز أن يكون لا هنا بمعنى النهي، فيكون يضركم مجزوما به.
الاعراب: قال الزجاج: (عليكم أنفسكم): أجريت مجرى الفعل، فإذا قلت: عليك زيدا، فتأويله إلزم زيدا، و (عليكم أنفسكم): معناه: إلزموا أمر أنفسكم. وقال غيره: العرب تأمر من الصفات بعليك، وعندك، ودونك، فتعديها إلى المفعول، وتقيمها مقام الفعل، فينتصب بها على الإغراء تقول عليك زيدا، كأنه قيل خذ زيدا، فقد علاك أي: أشرف عليك، وعندك زيدا أي: حضرك فخذه، ودونك أي: قرب منك فخذه وقد تقيم العرب غير هذه الأحرف مقام الفعل، لكن لا تعديه إلى المفعول، وذلك نحو قولهم: إليك عني أي: تأخر عني، ووراءك:
بمعناه. قالوا: ولا يجوز ذلك إلا في الخطاب. لو قلت عليه زيدا، لم يجز وقوله (لا يضركم) الأجود أن يكون إعرابه رفعا، ويكون على جهة الخبر، ويجوز أن يكون موضعه جزما، ويكون الأصل لا يضرركم إلا أن الراء الأولى أدغمت في