ومريم. وقيل: يأمر بعضهم أن يعادي بعضا، عن الجبائي. فكأنه يذهب إلى الامر بمعاداة الكفار، وأن هؤلاء يكفر بعضهم بعضا. وقوله (إلى يوم القيامة) عنى به أن المعاداة تبقى بينهم إلى يوم القيامة: إما بين اليهود والنصارى، وإما بين فرق النصارى. وقيل: الوجه في قوله تعالى (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) أنه أخبر أنهم اختلفوا فيما بينهم، وكلهم على خطأ وضلال، وقد جعل الله سبحانه على كل مقالة من مقالاتهم التي أخطأوا فيها، دلائل عرف بها بعضهم خطأ بعض، فتعادوا على ذلك، وتباغضوا، ولم تعرف كل فرقة منهم خطأ أنفسهم، فلما لم يصل كل منهم إلى المعرفة بخطأ صاحبه إلا من جهة كتاب الله ودلائله، والتعادي بينهم، كان من أجل ذلك، جاز أن يقول: (فأغرينا بينهم) على هذا الوجه، عن جعفر بن حرث. وقيل: الوجه في ذلك أنا أخطرنا على بال كل منهم ما يوجب الوحشة والنفرة عن صاحبه، وما يهيج العصبية والعداوة، عقوبة لهم على تركهم الميثاق (وسوف ينبئهم الله) عند المحاسبة (بما كانوا يصنعون) في الدنيا من نقض الميثاق، ويعاقبهم على ذلك بحسب استحقاقهم، فكأنه لما قال سبحانه (فاعف عنهم واصفح) بين بعد ذلك أنه من وراء الانتقام منهم، وأنه سيجازيهم على صنيعهم، وقبيح فعلهم.
(يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتب مبين [15] يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم [16] اللغة: الرضوان والرضا من الله: ضد السخط، وهو إرادة الثواب بمستحقه.
وقال قوم: هو المدح على الطاعة والثناء وقال علي بن عيسى: هو جنس من الفعل، يقتضي وقوع الطاعة الخالصة مما يبطلها ويضاد الغضب، قال: لأن الرضا بما مضى يصح، وإرادة ما مضى لا يصح، إذ قد يصح أن يرضى بما كان، ولا يصح أن يريد ما كان، وهذا الذي ذكره غير صحيح، لان الرضا عبارة عن إرادة حدوث الشئ من